تحاليل _ تحاليل اجتماعية _ أزمة تأخّر سنّ الزّواج تصبّ في مصلحة الانفتاح على العلاقات الجنسية.
مع ارتفاع تأخّر سنّ الزّواج في المجتمعات العربية، تبرز مسألة الانفتاح على العلاقات الجنسية “الحرّة”، التي أصبحت واقعا لا ينكره المجتمع الذي يغضّ النّظر قليلا عن الذّكور لكنّه يُبْقِي سيفه مسلّطا على الفتيات.
علاقات مفتوحة، تحرّر جنسي، انفتاح حضاري، محظورات تبيحها الضرورات، جميع هذه التسميات تختصر آراء الشباب في قضية ممارسة الجنس قبل الزواج التي ترتفع معدلاتها في المجتمعات العربية، ولم يعد واضحا على وجه الدقّة، إن كانت سببا أو مسببا للعزوف عن الزواج.
فور التطرق إلى القضية تقفز مسألة المحرمات الدينية والأعراف والتقاليد إلى الأذهان، ويشهر جلادو المجتمع من الشباب أنفسهم، أصوات انتقاداتهم ومثالياتهم، لنفي الواقع ومحاكمة من لا يخجل بالاعتراف علنا، فيما يخفي آخرون ما يمارسونه سرا تحت غطاء “الفضيلة والتقوى”، أما الباقون فيكتفون بالصمت متجاهلين هذه الضجة معتبرين أن المسألة شخصية تخصهم وحدهم.
التمتّع بمباهج الحياة
تؤكد الدراسات في الدول العربية على تأخر سن الزواج في السنوات الأخيرة للشباب عموما، ولم يعد المصطلح الشعبي “العنوسة” حكرا على النساء إذ طال الرجال أيضا، فيما يفضل البعض إطلاق تسمية “عنوسة اختيارية” بعد أن أصبح خيارا للكثير من الشباب الذين تتوفر لديهم جميع الإمكانات المادية والاجتماعية للزواج.
وكان لافتا قول مختصين أكاديميين، خلال ندوة حول تأخر سن الزواج في المجتمع الإماراتي في كلية الإعلام وعلوم الاتصال في جامعة الجزيرة، عقدت في فيفري الماضي، أن أبرز أسباب تأخّر سنّ زواج الإماراتيين هو غياب ثقافة تكوين الأسرة لدى معظم الشباب بسبب تفضيلهم عدم تحمل المسؤولية الأسرية قبل سن الأربعين ليتسنى لهم “التمتع بمباهج الحياة”.
ولم يحدد المختصون ما هو المقصود بعبارة الـ”التمتع بمباهج الحياة”، إلا أنهم أكدوا أن معوقات الزواج بالنسبة لمعظم الإماراتيين ليست مادية بالأساس، كون الدولة تقدم لهم منح زواج وسكن.
كما أظهرت دراسة أجريت قبل عامين أن الشاب الإماراتي يفضل تأجيل زواجه لما بعد الأربعين، بسبب غلاء المهور والتكاليف عند فئة معينة، ومحاولة الاستمتاع بالحياة بلا مسؤوليات لأطول فترة ممكنة عند فئة أخرى.
ويتفق علماء الاجتماع وعلم النفس على أن الجنس هو المحرك الأساسي للزواج، وحتى فترة قريبة كان الخوض في قضية الجنس قبل الزواج، أمرا شديد الخطورة ووصمة عار تلاحق الأهل قبل أبنائهم، وبقيت هذه الوصمة مستمرة عند الفتيات إلا أن الشباب تجاوزوها وبشكل خاص في المدن الكبرى، نظرا لطبيعة المجتمع الأكثر تسامحا مع الرجال في كل الأمور.
يقول طارق من تونس (34) عاما، “لا أعرف ما دخل المجتمع في حياتنا الشخصية، ما الذي يضره في العلاقة الحميمة بين شخصين في منتصف الثلاثينات”.
ويضيف “ما يثير الغضب أن المجتمع يكره البوح، معظم أفراده يمارسون الجنس قبل الزواج لكنّهم دائما ما ينكرون ذلك ويلبسون رداء الدين، يمارس الذكور الجنس، لكنّهم يحرمونه على الإناث، مجتمع يمارس الجنس والحب في الخفاء، ويدعي الفضيلة في العلن”.
وأظهرت دراسة ميدانية أكاديمية أجريت على طلبة الجامعات التونسية، أن 80 بالمئة من الطلاب السلفيين متزوجون عرفيا، .كذلك الحال بالنسبة لـ20 بالمئة من الطلبة المتعاطفين معهم
وأعد الدراسة مجموعة من طلبة المرحلة الثالثة (الماجستير) في خمس كليات (الآداب بمنوبة والعلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس والطب بتونس والعلوم بتونس والشريعة)، وبيّنت أن نسبة 30 بالمئة من الطلبة المؤيدين للزواج العرفي يُحسبون على التيار السلفي أو متعاطفون معه، ويرون أن “الزواج العرفي هو زواج شرعي وهو الحل الشرعي للعلاقات الجنسية المنتشرة في صفوف الطلبة”.
ولكنها لفتت إلى أنه ليس بوسع أيّ جهة تحديد مقدار انتشار الظاهرة لأن الطلبة المتزوجين عرفيا يحيطون زواجهم بسرية تامة خوفا من وقوعهم تحت طائلة القانون أو من افتضاح أمرهم لدى عائلاتهم التي لا تعلم بزواجهم.
وأشارت الدراسة إلى أن التقاء الأفكار الدينية السلفية مع الجذور الاجتماعية الفقيرة للطلبة، بالإضافة إلى انتشار ممارسة الجنس خارج إطار الزواج هما عاملان ساهما بشكل كبير في بروز الزواج العرفي كظاهرة جديدة في الجامعات التونسية. كذلك بيّنت أن 90 بالمئة من المتزوجين عرفيّا يتحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة وهم قادمون من أحياء شعبية أو من جهات داخلية محرومة، في حين ينحدر 10 بالمئة منهم من عائلات تنتمي إلى الطبقة الوسطى التي تعرّضت خلال الفترة الأخيرة إلى التهميش الاجتماعي. وتختلف الآراء بين اعتبار هذا الزواج شرعيا أم لا، لكن بنظر الشباب الذين أقدموا على التجربة، يعتبر الحل الأمثل الذي يتيح حلا شرعيا للعلاقات الجنسية، بحسب ما تقول إحدى الطالبات.
واعتبر الباحث في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد، أن الزواج العرفي آلية لشرعنة العلاقات الجنسية التي تزداد انتشارا في المجتمع التونسي، حيث أن 80 بالمئة من الشباب و67 بالمئة من الشابات يمارسون الجنس خارج إطار الزواج برغم “أن التونسيين في قرارة أنفسهم غير متصالحين مع فكرة ‘العلاقات المحرمة’ بحكم الوازع الديني وتربية الحلال والحرام وثقل الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يتعارض أحيانا مع الصورة المتحررة التي تظهر بها بعض الطبقات الاجتماعية”.
وتختلف نظرة المجتمعات إلى الموضوع باختلاف الموروث الثقافي من عادات وضوابط دينية حتى في المجتمعات العربية نفسها، بين المدن والقرى، أو بين سكان المناطق الأكثر انفتاحا والأكثر محافظة، مع وجود الاستثناءات دائما.
ويقول علي عبد الراضي الباحث في علم النفس بجامعة عين شمس في القاهرة، ” إن تأثير العلاقات الجنسية على العزوف عن الزواج مرتبط بنظرة الشاب للزواج، فإذا كان يعتبر الزواج مجرد علاقة لإشباع الرغبة الجنسية وفق الشرع وتقاليد المجتمع، فهو لا يبالي بالزواج ويلجأ لإقامة علاقات جنسية متعددة كبديل عن الزواج الشرعي، وهذا النوع ينتشر بكثرة بين شباب الجامعات، حتى وإن كانت العلاقة الجنسية سطحية دون أن تكون كاملة.
نظام علاقات حرّة
يرى عبد الراضي، أنه مع صعوبة إتمام زواج رسمي في ظل ارتفاع الأسعار والمبالغة في تكاليفه أصبح البديل الأمثل لبعض الشباب والفتيات إقامة علاقات جنسية تجعلهم يعزفون عن الزواج الرسمي، وأصبحت هذه النوعية من العلاقات سهلة وميسرة في ظل انفتاح الأجيال الجديدة وعدم اكتراثها بالعادات والتقاليد والالتزامات الاجتماعية، وتقاربها من ثقافات غربية تبيح الاختلاط الجنسي قبل الزواج تحت ذرائع ومبررات مختلفة.
وأوضح أن مؤسسة الزواج غابت في مجتمعات عربية كثيرة كنتيجة مباشرة لتبني الشباب نظام علاقات جنسية حرة، جراء مجموعة من الإكراهات المادية الأخرى، ما يمثل عاملا أساسيا في العزوف عن الزواج ما دامت الرغبة الجنسية تحققت دون مقابل مادي. وبدوره يتحدث باسم سعيد، وهو شاب في بداية الثلاثينات من عمره ويقيم بالقاهرة، عن تجربته في هذا الموضوع، ويقول إن العلاقات الجنسية قبل الزواج تؤخره نسبيا، فحاجة الشاب إلى فتاة تتزوج منه وتتقبل فكرة علاقاته الجنسية السابقة معضلة كبيرة، وهو ما يؤخر الزواج لسنوات وأحيانا يجعل الشاب يعزف تماما عنه، والعكس صحيح بالنسبة للفتاة التي أقامت علاقة قبل الزواج.
وأوضح أن “أكثر الشباب يفكر بمنطق لماذا أتزوج رسميا وأنفق الآلاف من الجنيهات ولا أكون حرا ومقيدا بارتباطات أسرية، ما دامت العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج متوافرة ومتاحة في أي وقت وبشتى الطرق”.
أين النّساء ؟
أظهرت دراسة حديثة تحمل اسم “أنماط حياة العازبين لعام 2017”، أنّ النساء أكثر سعادة واستمتاعا بحياة العزوبية من الرّجال، وأنّ 3 من كل 4 نساء لا يرغبن في تغيير نمط حياتهن والزواج، وذلك وفقا لشركة الأبحاث “مينتل”.
وأشارت إلى أن 61 بالمئة من النساء اعترفن بالشعور بالسعادة في العزوبية، فيما صرح بنفس الأمر 49 بالمئة من الرجال فقط، كما أن 65 بالمئة من الشباب يبحثون عن فتاة للارتباط بها، في حين وصلت نسبة البنات لـ75بالمئة، ما يدل على سعادتهن بحياة العزوبية.
تعلق علا على هذه الدراسة، بأنها بالتأكيد لا تخص المجتمع العربي، إذ تتوفر للنساء في الغرب حريات أخرى ليست في متناول النساء العربيات ومنها الحرية الجنسية. وتضيف الطالبة الجامعية علا (22) عاما “ما يقبله الشباب على أنفسهم يرفضونه على الفتيات، ونحن في النهاية من يدفع الثمن”.
ومن جهتها تقول نادية، الفتاة العشرينية من القاهرة، إن انحصار فكرة الزواج في العلاقات الجنسية سبب رئيسي لعزوف بعض الشباب عن الزواج، وهذه ثقافة منتشرة بكثرة بين الأجيال الجديدة، لأن البديل متوافر خارج منظومة الزواج من خلال العلاقات الحميمة السهلة.
وأشارت إلى أنّ العلاقات الجنسية قبل الزواج لا تسبّب عزوفا كاملا عن الزواج لكنّها تؤخّره بعض الوقت، فالمرأة في المجتمعات الشرقية لا يمكن لها استبدال العلاقات الجنسية بالزواج لأنّها سوف تحمل لقب عانس أو “بها عيوب” وهو ما يجعلها منبوذة مجتمعيا، بينما الرجل يفكر في عكس ذلك، وفي العموم تظل العلاقات الجنسية قبل الزواج قاصرة على الشباب والفتيات من أسر تعيش وضعا اجتماعيا يبدو منفتحا.
————————————————————————————————————–
*رويدة رفاعي |صحافية سورية.