تحاليل _ تحاليل سياسية _ الجزائر: الكلمة الأخيرة للحكمة والتاريخ.
“قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64). وتناصا مع هذه الآية القرآنية أقول لأصحاب القرار : تعالوا إلى كلمة بيننا وبينكم ألا نعبد إلّا الجزائر ولا نشرك بها شخصا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الجزائر فإن توليتم وأخذتكم العزة بالإثم فليشهد التاريخ بأننا نوفمبريون، وحراك شباب خراطة وشباب خنشلة دلالة قاطعة على أن هناك استجابة وتحدي توينبية، وارتفاع إلى مستوى التحديات على حد قول مالك بن نبيي.
هذه افتتاحية تستوجبها الأحداث الأخيرة، لكن ما أريد أن أفوله أن الساحة أن الآن مكتظة بالآراء المتصارعة حول الوضع في الجزائر، ولكل وجهة هو موليها، حيث مصالحه ومآربه، وأهوائه، ومنازعه وميوله، إلى درجة أن كثيرا من الخطابات المستخدمة لدي كل الأطياف متوترة، وأصحاب الشأن في سدرة منتهى القرار، أدمنوا على خطاب مبتذل، ومخترق، وانتهت صلاحيته مع شباب عقد العزم على أن يحرر الجزائر من هذه (الإهانة) المتلفزة على المباشر، إهانة للجزائر ولتاريخها ولرئيسها المختطف منذ خطاب سطيف الذي قال فيه طاب جنانا. وإذا عدنا إلى التاريخ فإن العلامات الأولي لتفكيك أي أمه، ومؤشرات ولادة قوة خلاقة أخرى تمنع هذا التفكك عن طريق (الاستجابة والتحدي) والاحتكام إلى المحطات التاريخية الناصعة التي جنبت الأمة الانكسارات التي تحولت إلى الانتصارات بعد الاحتكام إلى الحكمة والتاريخ.
إن الحديث عن الذاكرة الوطنية للجزائر يأتي في سياق هذه الإهانة المشينة على ذاكرة الأمة الجزائرية وتصورها عن نفسها وعن محيطها المعادي وان فهم هذه النقطة المحورية يعيننا على ادراك إحياء هذه الذاكرة التاريخية الملحمية التي تعرضت للاغتصاب و الثقب منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، حيث تم محو الذكرة الوطنية وتم تعويضها بذاكرة شخص واحد انتهت صلاحياته استجابة لسنن تاريخية لا تحابي أحدا، وتلعن من يتحداها وترميه في مزابلها: والحراك الأخير ابلغ من مقالي.
ولكي لا تضيع منا البوصلة، كما ضاعت على أصحاب القرار (في سدرة منتهى المصالح المتهالكة) هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لكي نتمكن من فهم مسار الحراك التاريخي التي تعيشه الجزائر الذي صنعه شباب مل الإهانة التاريخية ونستطيع وضع إطار شامل لهذا الحراك الذي يصنعه شباب في مناطق لها ملمحها التاريخي، بوعي نوفمبري خلّاق وثاب ويقض لكل الدسائس، ينبغي لنا أن نبصر (سدرة منتهى المصالح) ونعرفها على نظرية (التحدي والاستجابة) لكي تأخذ مسؤولياتها التاريخية قبل أن تجرفها هذه النظرية، ثم نبين الكيفية التي يتحرك بها مسار أي أمة في الأمم، نحو استعادة وعيها الحضاري والتاريخي.
يعني التحدي وجود ظروف صعبة تواجه الإنسان في إعادة بناء وعيه لكي يسترجع سيادته التاريخية والحضارية ، وعلى قدر المواجهة تكون الاستجابة، ما بالك إذا كانت هذه التحديات كرامة أمة وشرفها ومستقبل أبنائها لأن التحديات هي سر نهضة الأمة، وهذا التحدي لا تقف أمامه المخابر المتصهينة، التي استغفلت سدرة المنتهى منذ ما يقرب من عقد ، لأنه تحدي نفسي وهو عامل هام جدا، ففي فترة الهمة ، وفترات الشعور القوي بالذات نبدأ عمليات الانطلاقات وهذا العامل كان متوفرا في الحراك الذي تعيشه الجزائر منذ الإعلان عن (العهدة الخامسة) بطريقة متقززة، من طرف سدرة منتهى المصالح، وهكذا كلما ازداد التحدي تصاعدت قوة الاستجابة حتى تصل بأصحابها إلى استرجاع كرامتهم، والتي يطلق عليها توينبي صاحب النظرية الوسيلة الذهبية. وهذا ما شهدناه في الحراك التاريخي الذي شهدته، كل من خراطة وخنشلة والوسيلة الذهبية مازالت مستمرة.
والحقيقية أنه لا يحمي الجزائر من هذه الإهانة المتلفزة على المباشر ولا يحافظ على تاريخها وقيمها الوطنية إلا الوعي بنظرية الاستجابة والتحدي، وكلاهما يتم بالمقاومة الواعية الفعلية وهذا ما شهدناه في المناطق الجزائرية ذات الملمح التاريخي : لن يتغير هذا الواقع المطبوع بطابع الإهانة بفعل خارجي، قادر على دحض الباطل والدفاع عن الحق، بل بفعل الطليعة الواعية من المثقفين المختصين في الدراسات التاريخية والحضارية.
وفي الأخير أقول إن الجزائر في ظل هذه الملابسات التاريخية، التي وعى فيها شبابنا نظرية التحدي والاستجابة مقبلة على مرحلة اخطر من المرحلة التي تلت إلغاء المسار الانتخابي، إن لم يستوعب أصحاب القرار تحدي واستجابة شبابنا، وليعلم أصحاب القرار أن المخاطر داهمة علينا كأنها صواريخ نووية تفلّتت من قواعدها، ولم يعد هناك من يمسكها ومع ذلك فأصحاب القرار في حالة فكرية غريبة شيء ما بين البلادة والشلل ولا يعني هذا التشخيص والتشريح لواقعنا المأساوي بتحولاته الواعية من الشباب، و المأزومة المتلونة من أصحاب القرار الذين غاب وعيهم وحضر غيّهم، فلنحتكم إلى البيان النوفمبري ولنحتكم إلى الحكمة ولنحتكم إلى ما جاء في مطلع المقال تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم فالشباب عازم على أن يتحدّى ويستجيب ويرتفع إلى مستوى التحديات هلموا جميعا نرتفع إلى مستوى التحديات (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
________________________________________________________________________
- حميد لعدايسية | كاتب جزائري.