تحاليل _ تحاليل سياسية _ بشار الأسد يحب تونس للأبد. |بقلم: نزار بولحية*.
لم يقلها بشكل صريح وواضح، لكن نائبا في برلمان تونس تطوع ونقلها على لسانه، بعد أن التقاه الاربعاء الماضي في قصره بدمشق، ضمن وفد ضم خمسة اعضاء اخرين في مجلس نواب الشعب التونسي.
بشار الاسد يحب تونس ويقدرها. لكن اي تونس يحب؟ إسمعوا ما صرح به عبد العزيز القطي النائب المستقل، كما يصف نفسه، لموقع «آخر خبر اون لاين» ثم خمنوا بأنفسكم طبيعة الحب الاسدي لتونس.
لقد قدم الرئيس السوري للوفد الزائر «معلومات مفصلة عن المؤامرة التي تستهدف سوريا لضرب دورها في المنطقة، خدمة لاهداف الكيان الصهيوني» وعبّر عن «تقديره وحبه للشعب التونسي، مبينا أن ما حصل في عهد الترويكا من قطع للعلاقات، واستضافة لما يسمى بمؤتمر اصدقاء سوريا، لا يتحمل الشعب التونسي مسؤوليته». وأنه «يكن كل الاحترام لذلك الشعب وللحكومة الحالية ولرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي» بحسب القطي. لقد تحول بشار بقدرة قادر إلى حمامة سلام تطير صوب قرطاج وتمنح شعبها صك غفران عن الذنب القومي العظيم الذي ارتكبته دولته بقطع علاقاتها بنظامه. ألا يستحق ذلك امتنان التونسيين وشكرهم لكرمه ولطفه ومسارعتهم للضغط على حكومتهم حتى تتدارك أمرها وتعجل بدعوة السفير السوري الذي طرده الرئيس الثوري المنصف المرزوقي وترطب خاطره ببعض الورود والكلمات، وتعتذر له إن لزم الامر عن ذلك التهور الدبلوماسي الفاضح؟
ألن يكون حريا بهم أن يخرجوا في مظاهرات مليونية للمطالبة بمحاكمة المخطئين والمتجاوزين في حق بشار وحق نظامه العروبي الممانع؟ والزج بهم في السجون والمنافي حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر؟ لقد أخبرهم بالتفصيل عن أولئك الاعداء وقدمهم لهم بالاسماء والأدلة، مثلما لمح النائب وسوف لن يدخل هؤلاء بالتأكيد ضمن تلك الدائرة الواسعة من الذين شملهم حبه الصادق والعظيم، بل سينالون القصاص الذي يستحقون. وقد تكون تلك هي الغاية المشتركة التي جمعته بالنواب الستة، رغم أن مباركة الابراهمي، وهي واحدة ممن قابلوه قالت في حديث لفضائية «المنار»: «نحن مجموعة من النواب حمّلنا انفسنا مسؤولية كسر هذا الحاجز النفسي الذي عمل بعض اعداء الامة العربية على إقامته بين الشعبين التونسي والسوري، وأردنا ايضا كسر هذا الحاجز الذي تم بناؤه بعد مؤتمر اصدقاء سوريا، زمن حكم الترويكا وحكم الرئيس المنصف المرزوقي، الذي اعتبرناه وصمة عار على جبين كل من شارك في هذا المؤتمر، وكل من قطع العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا».
لكنها نسيت على الارجح أن ذلك الحاجز النفسي، الذي تحدثت عنه كان هو الشيء الوحيد الذي عجز الاستبداد عن اختراقه وكسره، حين فشل في إلزام الشعوب بان تنصاع لانظمتها وتحبها تحت التهديد والإكراه، ولم تعد تذكر انه كان هناك الف حاجز وحاجز بين التونسيين وبورقيبة، وبينهم وبين الرئيس المخلوع بن علي، وإن الغرب واعداء الامة لم يضعوها بل كانت النتيجة الطبيعية لحب الحكام لانفسهم ومصالحهم ودفاعهم المستميت عن سلطة افتكوها بالغصب. وقد يكون يكون عداء مباركة لخصومها المحليين أعمى بصيرتها، لكن المحيطين بحاكم دمشق ربما قدروا أن الثمرة قد نضجت وأن السنوات الست الاخيرة التي مرت على تونس وجعلت قسما واسعا من ابنائها يكفر بالثورة ويحن لايام بورقيبة وبن علي، لن تجعلهم في حرج من التقرب لحفتر والسيسي وبشار، ماداموا بنظرهم يحاربون الإرهاب والهيمنة الكولونيالية على المنطقة. ولعلهم استرجعوا ما قاله قائد السبسي في حملته الانتخابية من انه سيعيد العلاقات الدبلوماسية بين تونس ودمشق إلى سالف عهدها، وتصريحه امام الجنرال السيسي بان اهل مكة أدرى بشعابها، دلالة على أن ما يحصل في مصر وسوريا وغيرهما لا يهم تونس على الاطلاق، وأنها لن تعترض عما يفعله الحكام بشعوبهم. وقد يكونون فسروا تردده واستدراكه حين صرح مرة اخرى بأن إعادة العلاقات مع نظام بشار هي قرار عربي قبل أن يكون تونسيا صرفا، على انه نوع من التكتيك لكسب الوقت وتهيئة الظرف المناسب للإقدام على تلك الخطوة.
هل كانوا يخططون لزيارة النواب الستة ونجحوا في استدراجهم حتى يحركوا الموقف القديم ويخلطوا الاوراق من جديد؟ أم انهم يتصورون أن هناك تطورات قريبة ستحصل داخل تونس، وحتى في الاقليم وستفتح في وجههم ابواب دولة الربيع العربي على مصراعيها؟ قد لا يكون مهما أن نسمع تصريح وزير الخارجية التونسي بأن الوفد «لم يعلم الجهات الرسمية التونسية، بما فيها رئاسة مجلس نواب الشعب ولم ينسق معها» بخصوص اللقاء مع بشار، ولن يكون مهما ايضا أن يقول أحد اعضائه في تصريح إعلامي انه «لاعلم لاي جهة رسمية بالزيارة» وانهم، اي الزوار «ليسوا بحاجة لاعلام اي جهة بتحركاتهم طالما لم يخالفوا القانون، وطالما كانت زيارتهم متماهية مع التزاماتهم امام شعبهم باعادة العلاقات مع سوريا». فالأهم من ذلك هو الافعال والنتائج. وما حصل على الارض هو أن تونس امتنعت خلال الجلسة الاخيرة لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة عن التصويت لصالح قرار يدين انتهاكات النظام في سوريا، وهو تصرف اقوى من كل البيانات والتبريرات ودليل واضح عن أن رسالة النواب الستة وصلت بالسرعة القصوى، وربما صار عرض الحب الذي قدمه بشار لهم يلاقي قبولا ضمنيا ومواربا حتى الآن من الطرف الرسمي التونسي. لكن إلى أين يمكن أن تنتهي علاقة الحب المشبوه تلك بين بلد الاستثناء العربي الديمقراطي وبلد المجازر والدمار الشامل؟ من سيؤثر على من ومن سيتأثر بالاخر؟
ما سيقوله الطرفان، بعيدا عن لغة الشجون والعواطف، إن هناك مصالح قوية تربط بينهما. فتونس احتاجت في وقت الاستبداد لخبرات الاسد ومهارات نظامه في فنون التعذيب، وهي تحتاجه اليوم في تحقيقاتها للكشف عن شبكات تسفير شبابها إلى المحرقة السورية، رغم انها تعرف مسبقا انه لن يكون امينا أو محايدا في التعاون معها. وهو يحتاجها في تلميع صورته السوداوية المهزوزة، رغم انه لا يبدو مستعدا لان يغفر لمن يعدهم مجرمين في حق نظامه، إقدامهم على قطع العلاقات معه و طرد سفيره. إنه يريد أن يقول لشعبه إن ساعة الانتقام حانت وإنه استعاد زمام السيطرة وسيحاسب كل اعدائه في الداخل والخارج. وسلاحه الرمزي هو أن ثورة تونس التي كانت منطلقا للثورات العربية عادت بالنهاية لترتمي ذليلة في احضانه تطلب وده وصفحه وتقر له بالحق في أن ينكل ويقصف ويدمر ويسحق ويشرد شعبه بكل حرية. لكنه ينسى أن زميله السابق المخلوع بن علي قال للتونسيين في اخر خطاباته «فهمتكم» دون أن يدرك أن الاحداث تجاوزته، وانه لم يعد قادرا على ادخال القطيع إلى زريبته. وينسى ايضا أن حبه القديم الجديد لتونس التي يتصورها أو يتخيلها لن يعني شيئا، ما دامت تونس الاصلية والحقيقية التي لم يعرفها لم تحبه بالامس ولن تحبه لا اليوم و لا غدا.
———————————————————————–
* كاتب وصحافي تونسي.