تحاليل _ تحاليل سياسية _ تشتّت المعارضة في تونس يقلّص من جاذبيتها السياسية.
قناعة شبه راسخة تتملّك خبراء تونسيين بأن حظوظ المعارضة في البلاد للفوز في الانتخابات البلدية المقررة في 25 مارس المقبل، تكاد تكون منعدمة، لعدّة أسباب في مقدمتها بحث الناخب التونسي عن الاستقرار.
غير أنهم أجمعوا، في المقابل، على أن العوامل نفسها، ترجّح، وبقوة، فوزا ساحقا لحزبيْ نداء تونس والنهضة، قائدا ائتلاف الحكومة التونسية، في الاقتراع المقبل، مقللين من احتمال تأثّرهما بالأوضاع الاقتصادية الصعبة بالبلاد.
النداء والنهضة في صدارة التوقعات
ووفق أرقام نشرتها وكالة سيغما كونساي المحلية لسبر الآراء (خاصة)، الثلاثاء الماضي، تصدر حزب نداء تونس (56 نائبا/ 217)، نوايا التصويت في الانتخابات البلدية بنسبة 37.3 % من الأصوات، تليه حركة النهضة (68 نائبا)، بـ28.6%.
في حين حصلت الجبهة الشعبية، وهي ائتلاف يساري معارض (15 نائبا)، على 8 %، يليها التيار الديمقراطي (3 نواب) بـ4.5 %، وحزب الاتحاد الوطني الحر ( 12 نائبا) بـ2.2 %.
واعتبر حسن الزرقوني، مدير وكالة سيغما كونساي لسبر الآراء، أن “النهضة حزب إيديولوجي، ومن الصعب أن ينهار جراء ممارسة الحكم، كما أن الرصيد الانتخابي التابع للحركة ثابت على الدوام، ويناهز الـ800 ألف ومليون ناخب “.
وأضاف أن “نداء تونس من جهته يستمر في تصدر نوايا التصويت لخمسة أسباب: أولها أن مؤسس حزب نداء تونس، الباجي قائد السبسي، يترأس البلاد، وثانيا أن رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، ينتمي لهذا الحزب”.
أما السبب الثالث فهو أن المواطن لا يهتم بما يحصل داخل نداء تونس من انشقاقات، بل ينظر إلى من يمارس السلطة التنفيذية ويدير بعض مؤسسات الدولة.
والعامل الرابع، وفق المصدر نفسه، هو فشل المنشقين عن الحزب مثل محسن مرزوق (الأمين العام السابق للنداء) ورضا بلحاج (مدير الديوان الرئاسي السابق) وغيرهما في تقديم بديل عن النداء.
ويلفت الزرقوني إلى “سبب خامس لا يريد البعض الاعتراف به، ويتمثل في أن من أهداف تأسيس نداء تونس هو إضعاف عمل النهضة في تغيير المجتمع التونسي، وهو ما تحقق بعد انتخابات 2014 (الرئاسية والتشريعية)”.
من جانبه، يذهب المحلل السياسي التونسي، الحبيب بوعجيلة، في ذات الاتجاه، متوقعا سيطرة للنهضة والنداء في الانتخابات البلدية المقبلة.
وقال بوعجيلة “أولا علينا أن نقرأ نتائج سبر الآراء بالنظر لنسبة الممتنعين عن التصويت، لأن هذه النسبة تعكس عزوفا ناجما عن اهتزاز الثقة في الطبقة السياسية، كما أن هذه النسبة معبرة جدا، حتى أنه أضحى لا معنى لاستطلاعات الرأي دون ذكر نسبة الممتنعين أو على الأقل الذين لم يحسموا أمرهم”.
ويرجع بوعجيلة تصدر النهضة والنداء لنوايا التصويت إلى قواعدهما الانتخابية العريضة في صفوف التونسيين المهتمين بالشأن العام، باعتبارها أكثر الأطراف السياسية قدرة على التنفيذ والانتظام، وأكثر الأحزاب التي لها جمهور واسع.
ووفق بوعجيلة، يبدو أن حركة النهضة هي أكثر المتحمسين داخل الائتلاف الحاكم لانجاز الانتخابات البلدية، ربما لشعورها أنها لن تواجه صعوبات في الانتخابات.
في حين ينتاب النداء نوع من البرود، وهذا يفسر بالخشية من أن الاختبار المحلي المباشر ربما يؤثر على الانتخابات التشريعية المتوقعة في 2019، والتي عادة ما تكون رهاناتها أسهل من الانتخابات المحلية، نظرا لمعرفة الناخبين للمرشحين”.
براغماتية الناخب وبحثه عن الاستقرار
في المقابل، يرى هؤلاء الخبراء أن القدرات التنظيمية للحزبين الكبيرين غير كافية لوحدها لتفسير توقعاتهم بفوز ساحق للنداء والنهضة بنتائج الانتخابات البلدية القادمة أمام المعارضة.
ويعتبر حسن الزرقوني أن “هناك منسوب براغماتي لدى الناخبين موجود في جميع أنحاء العالم”. فـ”في الانتخابات البلدية أكثر من 7 آلاف مقعد والقائمات الاحتياطية يصل العدد الى 10 ألاف، وهذا يمسّ العائلات والمناطق والجهات الصغيرة والناخب يطرح سؤال من سينفعني، فيختار الحزب الكبير ويذهب مع من في الحكم لأن “الدكانين السياسية” (الأحزاب الصغيرة) لا تنفعهم ولا تغيّر الوضع في ضيعته أو قريته.”
وفي ذات الاتجاه، يعتبر الحبيب بوعجيلة أن الناخب يعود إلى هذين الحزبين باستمرار، معتبرا أنهما “رمز للاستقرار رغم الصعوبات”.
ويؤكد الحاجي توجّه الناخب التونسي إلى البحث عن الاستقرار لأسباب متعددة، بينها أن “التونسي بدأ يتعوّد على هذا المشهد السياسي (تصدّر النداء والنهضة للمشهد السياسي)، خاصة وأن الحياة السياسية في تونس دأبت، لأسباب واعتبارات عديدة، على أن لا تتغير”.
ويذهب الحاجي إلى أن “هذا دليل على رغبة التونسي في الاستقرار، خصوصا وأن مقارنة التجربة التونسية بنظيراته على المستوى الإقليمي تبرز أهمية عامل الاستقرار”.
لا وجود لمعارضة تزعج النداء والنهضة
وفي معرض تفسيره لأسباب الهيمنة المتوقعة لنداء تونس والنهضة في الانتخابات البلدية القادمة، لفت الحاجي أن التونسي لا يلمس وجود حزب أو قطب معارض من شأنه أن يزعج النداء والنهضة على مستوى الشعبية.
وفي ذات السياق، نفى الزرقوني إمكانية بروز جبهة معارضة للنداء والنهضة في الانتخابات البلدية، معتبرا أنّ “كل التجارب المتتالية لخلق حزب وسطي يجمع التونسيين بعد النداء (حركة نداء تونس)، باءت بالفشل، وذلك سواء بالنسبة للتيار الاجتماعي الديمقراطي أو لتيار وسط اليمين”.
ووفق الزرقوني، هناك سبب عميق لهذا الأمر يتمثل في أن 80 بالمائة من التونسيين يتموقعون أساسا في أحد القطبين: اليسار أو اليمين.
وتابع أن اليسار يمثل الحداثة والبورقيبية (نسبة إلى الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة)، والقطب الثاني يمثل المحافظة والاتجاه الإسلامي، ومن هو خارج هذا الإطار سيكون حتما من الأقلية.
ويمضي بوعجيلة أكثر في تشريح وضع المعارضة التونسية في أفق الانتخابات البلدية القادمة، مؤكّدا أن المعارضة المتمثلة سواء في أحزاب اليسار (الجبهة الشعبية)، أو الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية، مثل التيار الديمقراطي، وحراك تونس الإرادة ( 4 نواب)، وغيرهم، لم تستطع صياغة خطاب جاذب باستثناء ما يتعلّق منه بانتقاد الائتلاف الحاكم.
ووفق بوعجيلة، تعاني الجبهة الشعبية، رغم صحة بعض انتقاداتها للائتلاف الحاكم، من تحفظ البعض حيال أفكارها الشيوعية السابقة على سبيل المثال، ومن توجهها الاستئصالي، عبر تركيزها على صراعها مع حركة النهضة.
ولفت أن هذا الأمر يخلق حالة من عدم الارتياح لدى حتى الناخبين الغاضبين على الائتلاف الحاكم، وهو ما يحرمها الاستفادة من رصيد الغضب واهتزاز الثقة في الائتلاف الحاكم.
أما الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية، فيعتبرها بوعجيلة متفرّقة ومتوزّعة ولا تملك رموزا سياسية قادرة على الاستقطاب، كما لم تستطع صناعة عنوان جاذب يستفيد من تعثّر الائتلاف الحاكم، وهو ما يدفع بالناخب إلى العودة في كلّ مرة إلى اختيار الائتلاف الحاكم، باعتباره رمزا للاستقرار رغم الصعوبات.
ووفق بلاغ صدر، الأسبوع الماضي، عن وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، تعد تونس 209 حزبا، أحدثها حزب بني وطني، لوزير الصحة الأسبق سعيد العايدي المنشق عن حركة نداء تونس.