تحاليل _ تحاليل سياسية _ تونس: مواجهات بين الأمن ومحتجّين في سيدي بوزيد.. وإضراب عامّ في جلمة.
تشهد ولاية سيدي بوزيد حالة احتقان اجتماعي، منذ صباح الاثنين، حيث اندلعت احتجاجات بمنطقة جلمة التابعة للولاية على خلفية تدخّل والي سيدي بوزيد بالقوّة لإطلاق استغلال بئر استراتيجية،وهو ما يرفضه سكّان الجهة.
ويعارض أهالي منطقة جلمة مشروع ربط بئر عميقة بالكهرباء تمّ حفرها منذ عام 2004، قبل تسوية عدد من المطالب من بينها تمويل مشروعات أخرى وتوظيف عاطلين عن العمل في شركة استغلال وتوزيع المياه التّابعة للدولة. لكنّ السلطات المحلّية قالت إنّ الطلبات مبالغ فيها، كما أعلنت أنّها ستستخدم القوّة العامة لإتمام مشروع الرّبط والذي سيمكن من تغطية احتياجات خمس معتمديات في ولاية سيدي بوزيد.
وروى عماد الدربالي مدير المعهد الثانوي بجلمة -وهو شاهد عيان- تفاصيل التوتّر الاجتماعي بالجهة وبيّن أنّ “الأهالي يرفضون ربط البئر عبر قنال إلى مدينة صفاقس لأنّ ذلك سيؤدّي إلى حرمان عدّة عائلات من المياه فيما يعاني آخرون من مياه غير صالحة للشرب”. وتابع “هناك تخوّفات من حالة جفاف ستهدّد جلمة مستقبلا”.
وكشف الدربالي أنّه “تم استعمال الغاز المسيل للدموع وهو ما تسبّب في حالات من الاختناق والإغماء في صفوف عدد من المواطنين بعد تسرّب الغاز إلى منازلهم”. ولفت إلى أنّ الاحتجاجات اقتربت من المعهد الثانوي بحوالي 200 متر الأمر الذي أثار تخوّفاته من تعرّض التلاميذ للعنف ولتأثير التوتّر على سير الدروس والاختبارات. وحاول التواصل مع دورية أمنية تقف بالقرب من المعهد لكنّه تعرض بدوره للعنف ولإهانة وصفها بـ”المعنوية”. وأشار إلى أنّ “الوضع ما زال محتقنا والمواجهات مستمرّة”.
وتدخّلت القوّة العامة لتأمين الأشغال لكنّ محتجّين أغلقوا طريقا رئيسية في المدينة وأضرموا النار في العجلات المطاطية ودخلوا في مواجهات مع رجال الأمن الذين استخدموا الغاز المسيل للدموع، ما أدّى إلى إصابة اثنين من المحتجّين تم نقلهما إلى المستشفى، بحسب ما نقلت إذاعة محلّية.
وتوقّفت الدراسة في المؤسّسات التربوية في جلمة، بينما طالب الاتحاد الجهوي للشغل ومنظمات في الجهة بسحب القوّة العامة وانتظار ما سيقرّره المجلس البلدي الجديد المنتخب حديثا بشأن المشروع وطلبات الأهالي.
وأصدر الاتحاد المحلّي للشغل بجلمة بيانا أعلن فيه إقرار الإضراب العام، الثلاثاء، رفضا لاستعمال القوّة من طرف قوّات الأمن، ورفضت السلط المحلّية التفاوض. وحمّل الاتحاد والي الجهة المسؤولية الكاملة في ما وقع وفي ما سينجرّ عنه من تداعيات خطيرة، وفق نصّ بلاغ للاتحاد.
وقال المولدي القروي ممثل اتحاد الشغل بالجهة إنّ اتحاد الشغل اجتمع مع ممثّلي المجتمع المدني ورؤساء البلديات “ناقشنا خلاله التطوّرات الأخيرة”. وأكّد أنّه تمّ الإعلان عن إضراب كامل يوم الثلاثاء لتعنّت الوالي ورفضه الحوار والتجائه إلى التصعيد عبر استعمال العنف.
وأردف قائلا “بدل الالتجاء إلى العنف كان يفترض من السلط المحلّية أن تنتبه لنواقص المنطقة”. وأضاف “جلمة مهمّشة في حاجة إلى مناطق سقوية تقيها من الجفاف”.
وتشكو جلمة كالعديد من المدن الداخلية في تونس من ضعف مؤشّر التنمية وفرص العمل وافتقارها إلى الخدمات اليومية وتحتل الولاية المرتبة العشرين في ترتيب مؤشّر التنمية بالبلاد. ويقول خبراء إنّ الولاية تعاني من بنية تحتية متردّية وتردّي التجهيزات الضرورية في مرافق أساسية كالتعليم والصحة الأمر الذي يعيق مشاريع التنمية فيها.
ويشير خبراء إلى أنّ هناك مشاريع معطّلة في قطاع الفلاحة بقيمة تصل إلى 5 ملايين دينار، أغلبها لأسباب اجتماعية أو لاعتراضات المواطنين. ويلفت هؤلاء إلى أنّ الولاية تتمتّع بثروات طبيعية لكنّها ما زالت مهملة.
وتتمتع سيدي بوزيد بثروات طبيعية ومنجمية مهملة على غرار الفسفاط والجبس وكربونات الكالسيوم والحجارة الرخامية، من ذلك 5 مواقع للمواد الرملية و4 مواقع للمواد الجبسية و4 مواقع للمواد الطينية و6 مواقع للمواد الكلسية، كما تنتشر بها العديد من الضيعات الفلاحية الدولية الشاسعة وفيها أيضا رصيد عقاري دولي كبير قادر على احتضان المشاريع العمومية والاستثمارات الخاصة.
ورغم ما تتمتع به المدينة من ثروات يعاني السكان من ظروف عيش صعبة ويحملون الحكومات المتعاقبة بعد ثورة جانفي 2011 المسؤولية لأنّها لم تنجح في القضاء على مشكلة البطالة وفي تحقيق تنمية عادلة بين جميع المدن.
وتشهد المناطق الداخلية في تونس احتجاجات اجتماعية من حين لآخر بسبب الضائقة الاقتصادية، وتأخّر برامج التنمية الموعودة من السلطة المركزية منذ بداية الانتقال السياسي عام 2011 عقب انتفاضة شعبية ضد حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
ولا تهدأ الاحتجاجات الاجتماعية في سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، حيث عاشت جلمة حالة توتّر اجتماعي بداية العام الجاري لتوفير إطار طبّي ومراكز صحية، كما عبر الأهالي عن استيائهم من غلاء المعيشة بعد إعلان الحكومة الترفيع في أسعار بعض المواد الاستهلاكية في إطار جملة من الإصلاحات الاقتصادية القاسية التي اتخذتها للخروج من أزمة اقتصادية خانقة.
وزادت الأسعار في الكثير من القطاعات، وطالت الزيادات أساسا المحروقات، وبطاقات شحن الهواتف، والإنترنت، والعطور، ومواد التجميل، ويتوقع متابعون أن تشمل الزيادات مواد غذائية أساسية بصفة تدريجية مثل الخبز والبن والمياه والشاي، وهي إجراءات تقول الحكومة إنها مهمّة للحدّ من عجز الموازنة الذي بلغ 6 بالمئة في عام 2017.
____________________________________________________________
*آمنة جبران | صحافية تونسية.