تحاليل _ تحاليل سياسية _ تونس: حرب الشّاهد على الفساد.. مواجهة بخطوات ثابتة.
تواصل الحكومة التونسية حملة الإيقافات ضدّ عدد من رجال الأعمال والموظّفين بالجمارك ومصادرة أملاكهم في إطار “الحملة على الفساد”، التي أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن انطلاق إجراءاتها قبل عدّة أسابيع.
واختلفت الآراء حول الحملة بين اتهامها بـ”الانتقائية” أو اعتبارها “لا تزال في طور النمو”، إذ رأى خبراء وسياسيون من تونس، في أحاديث متفرقة، أنّ حملة الحكومة ضدّ الفساد كانت انتقائية وشملت عددا قليلا من الأشخاص، ولم تستهدف منظومة الفساد بكاملها.
فيما اعتبر آخرون أن الحملة تسير بخطوات تدريجية، وأن تقييمها لا يمكن أن يكون بعد فترة قصيرة من انطلاقها باعتبارها خيارا استراتيجيا يستوجب الإنجاز على المدى الطويل.
وقال الناشط في المجتمع المدني التونسي، الصغير الشامخ، مشكّكا في الحملة على الفساد إنّ “من يقود الحملة هي حكومة وحدة وطنية أنتجتها انتخابات أُنجزت ضمن مقاييس كانت مرتبطة أساسا بلوبيات الفساد”.
واستنتج أنّ “من يخوض هذه الحرب هو جزء من الواجهة السياسية للوبيات الفساد أو بعضها على الأقل”. ولفت إلى أنّ “الحكومة تعتمد البند 5 من قانون الطوارئ للعام 1978 وهو قانون يتعارض مع دستور تونس لعام 2014، وبذلك يوجد فساد قانوني من الناحية الإجرائية للحملة”.
وينص الفصل 5 من قانون الطوارئ بتونس على أنّه “يمكن لوزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية أيّ شخص يعتبر نشاطه خطيراً على الأمن والنظام العامين”، فيما يؤكّد الدستور على الحريات.
وتابع الشامخ “من طالتهم التوقيفات حتى الآن مرتبطون بعنوان التهريب، في حين أنّ التهريب هو جزء من منظومة الفساد الاقتصادي والسياسي والإداري في البلاد”؟
وتابع “اقتصار الحملة على بعض الوجوه المرتبطة بالتهريب لا يعني ضرورة أنّها حرب ضد الفساد”. واعتبر أنها “لا يمكن تسميتها بالحرب على الفساد بل حرب على جزء من منظومة الفساد وهو التهريب، كما أنها لم تشمل كلّ المهربين”.
بدوره، اعتبر المحلل والإعلامي التونسي، كمال الشارني، أن “من تم إيقافهم ومصادرة أملاكهم لا يمثلون شيئا من الحجم العام للفساد في تونس؛ لأنّ الفساد اليوم موجود داخل الإدارة وتحت حماية الدولة التونسية”، وهو ما تنفيه السلطات.
واستغرب الشارني من أن “التوقيفات التي قامت بها السلطات لم تتجاوز 20 شخصا”. وقال “كنّا نتوقّع أن هناك قطاعات معينة تتطلب تدخلا عاجلا، على غرار الديوانة (الجمارك)، لا الاكتفاء بتوقيف أشخاص، بل إيقاف منظومة الفساد بأكملها، وإخضاع القطاع للقانون والمراقبة والمساءلة، وهذا لم يحصل”.
ولفت إلى أنه “في حال استمرت منظومة الإدارة التونسية على ما هي عليه الآن فلن ينتهي الفساد، باعتباره آتيا من تغول الإدارة والمركزية المفرطة”.
من جهته، قال غازي الشواشي، النائب عن حزب التيار الديمقراطي (حزب معارض يملك 3 مقاعد بالبرلمان من أصل 217) إن “الحرب على الفساد تسير بخطوات متعثرة وغير مدروسة وفيها بعض الارتجالية”.
وأضاف “لا يمكن تقديم تقييم واضح لأن الحملة مازالت في بدايتها”. ولفت إلى أن حزبه “عبر عن دعمه للحملة ضد الفساد منذ بدايتها”، لكنه سيبقى “متابعا لأي خلل قد ترتكبه الحكومة في إطار هذه المعركة”. وشدّد على “ضرورة أن لا تقتصر الحملة على توقيف مهربين، وإنما تفكيك منظومة الفساد كاملة”.
في المقابل، اعتبر المفكر والمحلل السياسي التونسي، صلاح الدين الجورشي، أن “الحملة ضد الفساد نامية وتتجه نحو مزيد من التوسع، بمعنى أنها ليست ظرفية أو انتقائية بل تتجه نحو فتح مزيد من الملفات وإيقاف أشخاص آخرين مشتبه بهم في الفساد”.
ورأى أن “الشاهد نجح في أن يجدد الثقة في شخصه ويكسب تعاطف جزء واسع من التونسيين والرأي العام”. وتابع أن “التوقيفات شملت أشخاصا ينتمون إلى أوساط متعددة، وقد تشمل أشخاصا كانوا في مرحلة سابقة يتمتعون بنوع من الحصانة أو الجرأة الزائدة”.
وبحسب الجورشي، فإن “الشاهد يتجه بخطوات واضحة ومتدرجة في مواجهة الفساد، لكن في نفس الوقت يواجه ضغوطا من قبل بعد الأوساط المشبوهة، كما أنه لم يجد حتى الآن التأييد الكامل والمطلق وغير المشروط من أحزاب الائتلاف الحاكم وهو ما سيجعله في المرحلة القادمة يواجه بعض الصعوبات.
وأضاف أنه “لا يمكن للشاهد التراجع عن محاربة الفساد لأن تراجعه قد يكون مؤشرا قويا على نهايته السياسية وفقدان مصداقيته لذلك هو مضطر لمواصلة المعركة إلى النهاية”.
من جانبه، لفت النائب والناطق الرسمي لحركة النهضة، عماد الخميري (عضو في الائتلاف وتمتلك 69 مقعدا بالبرلمان) إلى أن “تقييم حملة الحكومة لن يكون آنيا أو متوسطا ولا يحسب بالأسابيع أو الأشهر، باعتبارها خيارا استراتيجيا طويل المدى”.
وأضاف الخميري أن “الحملة لابد لها من إطار واضح يحترم القانون والدستور حتى تجد كل الدعم والتأييد، ولضرب كل تشكيك في حملة الشاهد وحتى يرفع عنها شبهة الانتقائية والاختيارات ذات الطبيعة الخاصة”. وجدّد “دعم النهضة وتأييدها الكامل لرئيس الحكومة في حربه على الفساد”.
وقبل عدة أسابيع، أطلقت الحكومة التونسية حملة توقيفات ضد عدد من رجال الأعمال، فيما تعهد رئيس الحكومة يوسف الشاهد، القيادي بحزب حركة نداء تونس، “بخوض هذه المعركة حتى النهاية”، ولفت إلى أنه “لا وجود لخيارات” في هذه الحرب، فـ “إما الفساد أو تونس”. واعتقلت السلطات، مؤخرا، 10 رجال أعمال معروفين، لتورطهم في تهم فساد مالي وتهريب ومساس بأمن الدولة ووضعتهم قيد الإقامة الجبرية.
وأواخر مايو الماضي تمت مصادرة جميع أملاك 8 من رجال الأعمال التونسيين الذين ثبت تحقيقهم لأرباح بشكل غير مشروع جراء علاقاتهم وارتباطاتهم بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وعائلته.
وأعلنت لجنة المصادرة التابعة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية في تونس مؤخرا مصادرة ممتلكات وأموال 6 رجال أعمال وموظف جمارك ارتبطت بهم “شبهات فساد مالي وكسب غير مشروع”.
والأربعاء الماضي، أعلنت النيابة العامة أن قاضي التحقيق بالقطب القضائي في البلاد (هيئة قضائية خاصة بالنظر في ملفات الفساد المالي)، “اتخذ قرارا بتجميد” أرصدة وممتلكات السياسي ورجل الأعمال التونسي البارز سليم الرياحي (رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، يملك 12 مقعدا بالبرلمان).
وقرّرت وزارة المالية التونسية منتصف جوان الماضي، إقالة 21 عون جمارك برتب مختلفة من مواقع المسؤولية أو الإدارات الحسّاسة، في انتظار استكمال التحقيقات معهم، فيما تمت إحالة 35 عونا آخرين من مختلف الرتب على مجلس الشرف (جهة تأديبية)، وتتواصل التحقيقات بشأن عدد آخر من الأعوان الذين تعلقت بهم قرائن فساد.