تحاليل _ تحاليل سياسية _ قراءة في فُسيفساء الأحزاب الدستورية والتجمّعية وآفاقها. |بقلم: علي عبد اللطيف اللافي*.
عرفت تونس بعد ثورة جانفي 2011 تأسيس عدد كبير من الأحزاب الدستورية والتجمعية بلغ عددها عمليا 47 حزبا من أصل 216 حزب مقنّن وفقا لإحصائيات نهاية 2015، وهي أحزاب تأسّست وفقا للمرسوم الجديد للأحزاب وهو المعروف بالمرسوم 87 وكوّنت بينها سنة 2011 ما سمّي بالتآلف الدستوري ولكنّه حصد يومها صفرا من المقاعد، ورغم أنّ الثورة قد قامت على نظام الرئيس المخلوع وحزبه أي “التجمع الدستوري الديمقراطي”، إلّا أنّ بعض الفاعلين السياسيين ممّن عرفوا بأنّهم دستوريون أو بورقيبيون إلّا أنّ نتائج انتخابات أكتوبر 2011 ثم نتائج انتخابات أكتوبر 2014 جعلت الأحزاب الدستورية تتقلّص إلى أقلّ من 10 أحزاب وبعضهما انصهر في أحزاب أخرى يسارية أو ليبرالية أو دستورية، فما هي تلك الأحزاب، وما هي آفاقها المستقبلية وعلاقتها بحزب نداء تونس؟
1- الأحزاب والتحالفات الدستورية:
وهي الأحلاف والأحزاب التي تغلب صفة الدستورية على بعدها التجمعي سوى من حيث مرجعيتها التاريخية او مقولاتها وقراءتها للأحداث والساحة السياسية أو من حيث أن قيادييها لم يتورطوا بشكل كُلي في سياسات نظام الرئيس المخلوع أو هم غادروه بشكل مُبكر لسبب من الأسباب السياسية والشخصية، أو هم في حد أدنى تخلصوا من حيث الخطاب السياسي من تجربته بشكل كلي وبمقولاته الكلاسيكية في الإقصاء وتبرير سياساته الكارثية بل واعترفوا بثورة الشعب ولم يعتمدوا منطق ترذيلها مثلما فعل آخرون، ومن بين تلك الأحزاب والتحالفات الدستورية:
أ- حزب المبادرة الوطنية الدستورية:
وهو يعتبر نتاج لعدد من خطوات التحالفات والإنصهارات والائتلافات بين عدد من الأحزاب الدستورية وبعض الأحزاب الوسطية الجديدة، و قد أسس كمال مرجان باعتباره رئيسا سابقا لمنظمة الطلبة الاشتراكيين الدستوريين في بداية السبعينات وباعتباره نجل والي ووزير الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بداية 2011 حزب “المبادرة”، ثم قام بعملية تحالف واندماج سياسي و تنظيمي مع حزب “الوطن” (بقيادة محمد جغام) ليتحول اسم الحزب لحزب “المبادرة الوطنية”، ثم قام الحزب الجديد عشية انتخابات 2014 بإجراء مشاورات سياسية مع عدد من الأحزاب الدستورية الصغيرة والأحزاب الوسطية على غرار حزب رجل الأعمال العياشي العجرودي، وهي مشاورات أفضت في النهاية الى تسمية التحالف الجديد باسم “حزب المبادرة الوطنية الدستورية”، الا أنه ونتاجا للتطورات السياسية وانسحاب مجموعة العجرودي، خاض الحزب عددا من المشاورات مع أحزاب “نداء تونس” و”حزب المشروع” و”مجموعة الزنايدي” وبعض قيادات “الحزب الدستوري الحر”، إلا أن مرجان بقي مُتأرجحا بين ترك السياسة والاتجاه مجدّدا إلى المناصب الأممية على غرار عرض أن يكون مبعوثا أمميا في ليبيا، وهو ما أربك الحزب سياسيا وأضعفه رغم مشاركته في حكومة الوحدة الوطنية عبر حقيبة المرأة والتي أسندت لـــ”نزيهة العبيدي”، بل أدّى الأمر لخروج مجموعة الوطن بقيادة محمد جغام والتي اقتربت عمليا من جبهة الإنقاذ، أمّا آفاق الحزب فهي مفتوحة على كلّ الخيارات ومرتبطة بتطوّر الأوضاع السياسية ومدى قدرته على بناء تحالف سياسي غير نمطي…
ب- حزب الوطن:
قام الوزيران السابقان أحمد فريعة ومحمد جغام، باعتبارهما قد أخذا مسافة من الرئيس المخلوع منذ منتصف العقد الماضي أي سنوات قبل الثورة (رغم تحمل الأول لحقيبة الداخلية في الأيام الأخيرة)، بتأسيس حزب الوطن مع عددا من الوجوه التي انسحب من الحزب عشية تسليمه للمخلوع في ربيع 1988 الا ان الانشقاق حدثا مبكرا في الحزب الوليد وخروج عددا من قيادييه بعد انسحاب أحمد فريعة ، فخاضت مجموعة جغام نقاشات أدت كما اسلفنا في الفقرة السابقة الى تأسيس حزب المبادرة الوطنية ثم تحمل جغام المنصب الثان يفي الحزب وليكون قياديا بارزا في ما عرف كما اسلفنا ائتلاف او حزب المبادرة الوطنية الدستورية، الا أن التطورات والعلاقة بمختلف التنظيمات والجبهات السياسية جعل مجموعة جغام تعود الى مربع 2011 أي تسمية حزب الوطن ولتدخل مجددا في متاهات البحث عن موقع في المشهد السياسي المتقلب، وعمليا يصعب على حزب جغام التموقع الجدي والكبير بناء على بحثه المستمر على كلاسيكيات تجاوزتها الاحداث في تونس وسيتحدد مستقبله بمدى بقاءه داخل أو خارج جبهة الإنقاذ والتي سيعلن عنها نهاية الأسبوع الحالي أي 02 افريل 2017…
2- أحزاب السلفية الدستورية والتجمعية:
وهي مجموعة أحزاب وتنظيمات ظهرت للساحة السياسية بعد اسقاط قانون العزل السياسي ونتاج طبيعة المشهد السياسي بعد الثورة وخاصة بعد انتصار الثورة المضادة في مصر و استتباعاتها الإقليمية وطبيعة تطور الوضعين السوري والليبي، فعادت تلك الأحزاب الصغيرة تمجيد المخلوع وترذيل الثورة والعودة الى منطق ومقولات التمجيد والمديح والتوهم أن “بن علي” كان صاحب رؤية وفكر والاعتراض على أنه مجرم ودكتاتور وزعيم مافيا نهيت أموال وخيرات التونسيين وسرق 23 سنة من حياة التونسيين….
أ- حزب الاسنقلال:
وهو حزب صغير أسسته مجموعة صغيرة بقيادة “ريم المورالي، وهذه الأخيرة قيادية سابقة بحزب “المبادرة”، وكانت قبل الثورة أحد اهم الفاعلين في مكتب الأمين العام للتجمع المنحل محمد الغرياني، وخطاب الحزب كلاسيكي يجتر مقولات الماضوية البورقيبية والنوفمبرية واعتبار أن 14 جانفي 2011 منعرج تاريخي وليس ثورة شعبية …
ب- الحزب الدستوري الحر:
وهو تسمية جديدة للحزب الذي أسسه حامد القروي إلا أنه وبانسحابه توخى الحزب عقلية أكثر اقصائية تجاه الآخر السياسي (مرزوق – الإسلاميين – القوميين)، وينتقد الحزب الخطوات السياسية للدستوريين وأحزابهم (نداء تونس – القلال – الجريبي)، بل ويمارس الاقصاء السياسي حتى تجاه بعض قيادييه ( طرد حاتم لعماري ونزيهة زروق وآخرين)، وقد توضح خطاب الحزب الاقصائي أكثر في حلقة برنامج “لمن يجرؤ فقط” –حلقة 16 مارس 2017- حيث لاكت رئيسة الحزب “عبير مُوسي”، مقولات أقرب منطقا واسلوبا لخطاب الدغمائيين وخطاب السلفية التكفيرية، وهو ما يجعل صفة السلفية الدستورية ميزة موضوعية لحزبها ومن بقي فيه، وقد انتقدت في أكثر من مناسبة كل من الزنايدي ومرجان ومواقفهما من توحيد العائلة الدستورية …
3- أحزاب تتبنى – أو تدّعي تبني- المرجعية الدستورية:
عمليا تأسست أحزاب عدة تتبنى المرجعية الدستورية والبورقيبية ولكنها لم تصمد في المشهد السياسي أكثر من سنة واحدة على غرار أحزاب البورقيبية الجديدة (صلاح مصباح) وحزب الحداثة ( الأستاذ البعزازي) وأحزاب عبدالمجيد شاكر وفيصل التريكي وآخرين من قيادات الحزب الاشتراكي الدستوري في السبعينات، أما الأحزاب التي بقيت فاعلة في الساحة السياسية من حيث حضورها الإعلامي فهي:
أ- حركة مشروع تونس:
هو عمليا انشقاق عن حركة نداء تونس اثر خلافات أثناء فترة حكومة الحبيب الصيد الأولى، مع ما عُرف يومها بشق جربة (مجموعتي المدير التنفيذي ومدير الديوان الرئاسي أنذاك رضا بلحاج)، إلا ان مرزوق سارع الى ممارسة سياسة فردية أبعدت عنه مبكرا عددا ممن غادر معه نداء تونس، على غرار “الطاهر بلحسين” و الاستاذين “عبدالستار المسعودي” و”لزهر العكرمي” وآخرين، ثم انشق عنهم أيضا نواب وقياديين آخرين على غرار “وليد جلاد” و”بشرى بلحاج حميدة” و”منذر بلحاج علي” وعددا آخر من النواب على غرار “مصطفى بن أحمد”، كما شهد الحزب استقالات بالعشرات في عدد من الجامعات والفروع، ويتبنى مرزوق مقُولات دعائية على غرار “البورقيبية الجديدة” و”المشروع الوطني العصري”، وهو يتجنب انتقاد الرئيس المخلوع باعتبار أنه استقطب عددا وزرائه ومستشاريه السابقين وعددا من قيادات “التجمع” المُنحل على غرار منظر النظام النوفمبري الصادق شعبان وأيضا سفير المخلوع في بيروت سمير بن عبدالله وهذا الأخير كان لسان دفاع النظام اثناء تحركات الحوض المنجمي….
ويرتبط مستقبل الحزب عمليا بالتطورات الاقليمية ومدى قُدرته على توظيف جبهة الانقاذ ومدى تماسكها خلال الأشهر القادمة وأيضا مدى قدرة مرزوق على تجاوز الطابع الفردي في التسيير والتخلي عن روحه الاقصائية سياسيا وفكريا ….
ب- حزب بديل تونس:
وهو حزب كفاءات إدارية كما يؤكد رئيسه المهدي جمعة، وهو حزب يضم تكنوقراط وبعض وزرائه سنة 2014 وهو حزب يتبنى الإرث البورقيبي سياسيا وفكريا كما يضم عددا من مُنتسبي التجمع المنحل وخاصة الفاعلين الاقتصاديين الذين كانوا يستفيدون من النظام وحزبه الواحد، وترتبط آفاق الحزب بمدى قدرته على التموقع السياسي والاجتماعي وقدرته على تبني خطاب وسطي والاستفادة من علاقات المهدي جمعة الدولية….
ت- مشروعي حزب الزنايدي وسعيد العايدي:
وان يختلف التقييم بأداء الشخصين و عناصر المجموعة المحيطة بكل منهما والمجموعتين تضمان عددا من الدستوريين والتجمعيين والليبيراليين واليساريين، ولن يستطيع الاثنان تحقيق آفاق سياسية كبيرة لطابعهما الفردي وسينحصر نشاطهما على مبتغى الترشح للرئاسيات القادمة أو الالتحاق بالنداء أو احد المشاريع السياسية الأخرى….
ث- حزب تونس المستقبل:
وهو حزب يقوده القيادي بتيار اليسار الماركسي في نهاية ستينات وبداية سبعينات القرن الماضي، وهو أيضا قيادي سابق في النداء، و يُؤمن بلحسين ورفاقه في الحزب بمقولة المرحوم نورالدين بن خذر (زعيم برسبكتيف):”نحن الأبناء الشرعيون لبورقيبة”، ومعلوم ان أهم الفاعلين في الحزب هو أحد القيادات الأمنية البارزة لنظام المخلوع ألا انه يضم قيادات وسطى من التجمع المنحل، أما آفاق الحزب فهي ضيقة عمليا نتاج الخطاب الإقصائي تجاه الآخر السياسي وعدم قدرته على الخروج من مربعات المنطق الستاليني في المواقف الفكرية والثقافية والسياسية …
4- نداء تونس و تياراته المتصارعة:
لا يختلف اثنان في أنّ نداء تونس قد التحقت به نخب من مختلف المشارب الفكرية رغم أنّه وظَف الماكينة التجمعية وكانت مقولة “نحن الفترينة والتجمع هو الماكينة”، حاضرة بقوّة في الخطاب التنظيمي سنتي 2013 و 2014″، إلّا أنّ النداء استطاع التطور نحو حزب ليبيرالي براغماتي، فخاض تجربة التوافق رغم وضعه الداخلي، كما سعى في المدة الأخيرة لاستقطاب شخصيات بارزة ووزراء سابقين وإعلاميين وشخصيات عامة في مجالات متعددة….
والثابت أن بعض قيادييه السابقين والحاليين قد التحقوا به على اعتبار أنه ماكينة ستصلهم الى سدة المناصب والمواقع ولذلك عرف مع بداية من 2015 صراعات وخلافات وانشقاقات أدّت لتأسيس حزبين خارجه أي “مشروع تونس” و”تونس المستقبل”، و يضم الحزب حاليا 03 تيارات متصارعة داخله، وهي:
أ- التيار الرئيسي: بقيادة المدير التنفيذي للحزب ونجل الرئيس أي حافظ قائد السبسي، وينتمي أليه أغلب النواب، رغم أنّ داخله تيارين فرعيين يقود أحدهما رئيس الكتلة سفيان طوبال وهو مدعوم عمليا من عدد من رجال الأعمال النافذين في الحزب بناء على نفوذهم المالي والتنظيمي داخله …
ب- تيار الإنقاذ: بقيادة رضا بلحاج وهو ضمن جبهة الإنقاذ، وهو يضم عمليا أهم ما تبقى من المؤسسين من اليساريين…
ت- تيار الأمل: بقيادة فوزي اللومي، وهو تيار ينوي الالتحاق بحزب آفاق تونس أو تأسيس حزب جديد مع إمكانية البقاء في الحزب وذلك مرتبط بالمؤتمر الانتخابي القادم ….
———————————————————————————————
* باحث ومحلّل سياسي تونسي.