تحاليل _ تحاليل اقتصادية _ لا بدّ من ثورة رقمية لإيقاظ الاقتصاد التونسي. |بقلم: رياض بوعزّة*.
كيف تنظر تونس إلى الاقتصاد الرقمي في ظل التحولات المتسارعة، بعد أن أصبح يقف خلف ظهور أكبر القوى المؤثرة في الاقتصاد العالمي وسبب اندثار شركات وأسواق وقيام أخرى.
في الماضي، كانت هناك مراكز عالمية حصينة لممارسة النشاط الاقتصادي والمالي مثل حي المال في لندن أو وول ستريت في نيويورك، أما اليوم فإن الثورة الرقمية أطلقت سراح الأنشطة المالية والصناعية والتجارية وحررتها من المركزية بسبب الآفاق الهائلة التي فتحتها ثورات وسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة.
معظم بلدان العالم بدأت التأقلم مع قواعد تكنولوجيا المعلومات بحثا عن دور جديد في الاقتصاد العالمي المتجدد ودخلت معركة تطوير أدواتها ووجدت الدول النامية نفسها مجبرة على دخول السباق لمواكبة هذا التحول ومن بينها تونس.
يقوم الاقتصاد الرقمي بشكل أساسي على الأسواق الافتراضية التي لا تعترف بالحدود الجغرافية حيث التعامل مع تبادل المعلومات الرقمية من زبائن رقميين وشركات رقمية ضمن دائرة أدوات تكنولوجية للحصول على السلع.
إذا كانت تونس تريد الالتحاق بهذا السباق فعليها امتلاك ثلاثة مفاتيح أساسية لفتح الآفاق الواسعة للاقتصاد الرقمي وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وهي وجود إرادة سياسة قوية ومناخ أعمال مشجع ومستقر وزيادة التركيز على المعرفة والابتكار.
تلك العوامل ترتبط بشكل كبير بتعزيز الثقة وترسيخ المعايير والشفافية التي لا يمكن من دونها إيجاد نظام حماية قوي للمعلومات الشخصية لمستخدمي الإنترنت خاصة الشركات الناشئة التي أعلنت الحكومة قبل فترة أنها وضعت قوانين تساعدها على اقتحام التجارة الإلكترونية ضمن قانون السوق الرقمية في تونس.
صحيح أن تونس دخلت في كبوة اقتصادية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن لديها حزمة من الأدوات التي تمكنها من النهوض مجددا، فالمسؤولون يدركون جيدا أن اقتصاد المعرفة في صميم السياسات الاقتصادية لأي بلد وأن عليهم الإسراع في دخول السباق مهما كانت الظروف.
الكثيرون يجهلون أن تونس من أول بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي انتهجت سياسة اقتصاد المعرفة فقد اعتمدت منذ بداية الألفية الجديدة كل ما يساعد على تنمية هذا القطاع من خلال تحسين استخدام رأسمالها البشري بغرض تعزيز الإنتاجية والنمو.
ووفقا لمنهجية البنك الدولي لتقييم المعارف فإن ازدهار اقتصاد المعرفة في أي بلد يحتاج إلى أربع ركائز وهي نظام اقتصادي مؤسساتي قوي ونظام تعليمي سليم وبنية تحتية معلوماتية ونظام للابتكار وهذا ما كانت تفعله تونس منذ ظهور فكرة رقمنة الاقتصاد.
في تقييم لوكالة بلومبرغ الاقتصادية الأميركية العام الماضي في مجال المعرفة والابتكار، كانت تونس من بين خمسين بلدا شملها التصنيف وقد تصدرت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قائمة لم تشمل من الدول العربية سوى تونس والمغرب.
هذا التصنيف وغيره من تقييمات المؤسسات المالية الدولية ربما يعطي دافعا قويا إلى تونس لانتهاج سياسة جديدة تواكب التحولات الرقمية، فالمعرفة هي القوة المحركة الرئيسية للتنمية الاقتصادية التي تتسارع وتيرتها في ظل العولمة.
ومع ذلك، فإن التحول إلى اقتصاد المعرفة في تونس يواجه تحديات كثيرة وصعبة وتتطلب تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في البحوث والتنمية والابتكار وتعزيز استخدام الإنترنت وبناء بنية تحتية متطورة للتكيف مع التكنولوجيا الجديدة.
كما أنها تتطلب أيضا رفع مستوى التعليم الرقمي وتدريب العاملين على المهارات التي يحتاجها هذا القطاع. وهنا يأتي دور الحكومة في اعتماد مناهج تتلاءم مع سوق العمل.
ينصب تركيز تونس حاليا على تعزيز دور التكنولوجيا في التنمية لكن المبادرات المطروحة مازالت متواضعة وتحتاج إلى خطط استراتيجية طويلة المدى ووضع قوانين ومعايير واضحة للنشاط الاقتصادي في هذا القطاع.
لا بد من سياسة حازمة لتشجيع المستثمرين والشركات على دخول هذا المجال فالاقتصاد في ظل الثورة التكنولوجية الحديثة يتركز على صناعة المعلومات وتوزيعها لمواجهة الطلب المتزايد على سلع جديدة صغيرة الحجم وخفيفة الوزن.
بناء اقتصاد رقمي يتطلب الاستثمار في رأس المال البشري والتنمية القائمة على الاستثمار في القيمة المضافة والمعرفة والابتكار إلى جانب الإسراع في إصلاح القطاع المالي ليتمكن من مواكبة التحولات الرقمية.
هناك حاجة ملحة كذلك إلى التوعية بما يمكن أن يحققه الانتقال الرقمي للشركات وللقطاع الصناعي على وجه التحديد ولمجمل النشاط الاقتصادي واعتماد برامج تبرز خطورة الانغلاق على قواعد الاقتصاد الكلاسيكي بعد أن أدت رقمنة التجارة إلى كسر هياكل الإنتاج التقليدية.
من المهم التركيز على أن الكثير من الشركات التي كانت تعدّ من ركائز القطاعات التقليدية التي تحقق عوائد مالية ضخمة للدولة لم تدخل بعد عصر التكنولوجيا لأنها تشعر بالإرهاق جراء أزماتها ولذلك لا بد من تبني رؤية واضحة إلى المستقبل تسمح لها بمجاراة التغيير لتحقيق استدامة أنشطتها.
هناك تباطؤ كبير في هذا المضمار باعتراف من الحكومة الحالية، كما أن هناك وفرة للأفكار والخطط لكنها لم تفعّل بسبب المشكلات الإدارية. فمشروع الحكومة الإلكترونية على سبيل المثال مازال على الرفوف منذ سنوات طويلة، كما أن مشروع “تونس الذكية” يسير بخطى متثاقلة رغم الجهود المبذولة، وعليه فإن الوقت قد حان لإحداث هزة رقمية في الاقتصاد التونسي المشلول.
——————————————————————————————————————-
* رياض بوعزّة / كاتب وصحافي تونسي.