تحاليل _ تحاليل سياسية _ من التالي في قائمة العواصف السعودية وإلى أين ستقود مشاريع الطموح الخائبة المنطقة والعالم؟ |بقلم: عبد الكريم المدي.
تحمّل قِطاعُ واسعٌ من اليمنيين العاصفة السعودية وحلفاءها التي وُجِّهت نحوهم منذُ عامين ونيف بإدراك تام بحقيقة وجود برنامج يتجاوز الخارطة اليمنية والسورية والعراقية والليبية، ليشمل المنطقة برمّتها، حيثُ الكلّ مستهدف بصورة مباشرة عقائديا واجتماعيا وجغرافيا وسياسيا وأمنيا ووجوديا، في ظلّ الغياب الكُلّي للمنقذ والبطل وحتى الشهيد الحقيقي.
مدركين بأنّ الجميع يتفرّج، والجميع يُشارك في مهرجان التفكيك الممنهج للمجتمعات وتاريخها ومصيرها المشترك والدفع بها إلى الكفر بثوابتها والإقبال على المآسي والكوارث بشبق كبير من خلال أساطير غير واقعية وفهم مغلوط لجوهر العقيدة وأسس الإيمان الصحيح، إضافة إلى السير في تضاريس وعرة معتمدين على بصيرة يغلب عليها العمى وفي أحسن الأحوال الضبابية والنظر إلى الأشياء بدون ألوان للدّرجة التي لا تُمكّن أحدا من التفريق بين الأبيض والأسود، الضار والنافع، الصديق والعدو.
سنظل نكررها ونقول :إن زيارة ترمب إلى الرياض كانت إيذانا ببدء المرحلة الثانية من الضياع، التي أستهلت بإفتتاح قاموس آخر من الانحطاط والتناحر،مُقدّمةً للزعماء المشاركين فيها نموذجا وشكلاً جديدا للخارطة القادمة وملامح المستقبل الذي ينتظر هذه الشعوب، لعل أبرز عناوينها الملزمة للجميع هي :
1- توسيع دوائر التآمر على القضايا الكبرى التي تجمع الأقطار العربية والإسلامية.
2- إعتبار حركة المقاومة الفلسطينية ( حماس ) إرهابية واليمين الإسرائيلي المتطرّف حمامة سلام.
3-التسليم بأنّ فكرة وواقع إحتلال اليمن وتفكيك وحدته ونسيجه الاجتماعي شرعية، ومن يُدافع عنه إنقلابي وعميل.
4-تمزيق سوريا ونشر الطائفية والإرهاب فيها كضرورة من أجل الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان، ومن يعترض ذلك مجرم.
5-التطبيع مع إسرائيل من أجل التغلّب على الإرهاب وإيران.
6- ثروة المنطقة والأموال الهائلة لدولها يجب إعادة النظر في توزيعها كما يرى ترمب وبمسمّيات وصفقات مختلفة.
7- لن يبقى شيء على حاله بعد تلك القمّة.
إن كل ما يحدث يجعلنا نقف حائرين أمام هذه التناقضات والتوصيفات الغريبة للأشياء، ومن يتأمل في مسلسلات الأحداث ونتائجها الفظيعة والمخططات التي تجري سرعان ما يدرك أن الأسوأ لم يأتِ بعد ..لماذا؟
الجواب ببساطة : لأن هناك محترفين يعملون على تطوير الجريمة وتوسيع دوائر الحصار والقطيعة بين الشعوب العربية وجعلها تتآكل فيما بينها وبأموالها ودماء أبنائها ،ولا يهم الآخرين طبعا قيمة الفواتير التي تدفع وستدفع ،رغم وجود كم هائل من التحذيرات والقراءات العلمية المعمقة لكبار الكُتّاب والمثقفين الغربين الذين يجمع معظمهم على أن إستمرار ما يجري في الخليج والشرق الأوسط عموما من شأنه أن يفتح الجحيم على العالم قاطبة ويُدخله في مداءات لا متناهية من المجهول والظلام الطويل .
على أية حال، نقرُّ بأنّ تتابع وترابط الأحداث بهذه الطريقة يملأنا بالخوف والذهول معا، وربما أنّ آخرها إعفاء ولي العهد السعودي السابق الأمير محمد بن نائف من جميع مناصبه وبتلك الطريقة، إضافة إلى قرار مقاطعة قطر، وعلاقة الدول المقاطعة لها فيما بينها من جهة، وبينها وبين أميركا وإسرائيل وتركيا وإيران وحركات المقاومة من جهة ثانية، وهنا علينا أن ننظر للصورة كاملة من عدّة زوايا بعيدا عن التجزئة، لأنّ كلّ شيء يبدو أكثر ترابطا ممّا نعتقد.
أما اليمن وما يجري فيه، وما هي الحقائق المذهلة التي تكشفت منذُ فترة، وعلى رأسها خطّة فصل الجنوب عن الشمال، وفصل شمال الشمال عن وسطه وغربه وشرقه وما يجري في جزره أيضا، وما هي أبعاد تأسيس وفتح عشرات السجون السرّية في عدن وحضرموت ولحج وسقطرى وبإشراف وإدارة من قبل التحالف الذي تقوده السعودية والزج بمئات المعتقلين اليمنيين فيها بمباركة من واشنطن، فحكاية هذه المسألة تطول، لكن الذي نحبّ الإشارة إليه هنا، هو أنّ كلّ ما يجري يؤكّد المخاوف والتحذيرات التي طالما طرحناها، ومنها أنّ التمادي في إستبساط حقّ الشعوب المظلومة كما يجري في اليمن مثلا، لن يتوقّف عند هذه الحدود، خاصّة وقد ذهب معظم العقلاء الفاعلين وحرّاس ما تبقّى من قيم، وحلّ محلّهم أصحاب مشاريع الطموح الخائبة.