تحاليل _ تحاليل سياسية _ تونس: حكومة يوسف الشّاهد تصادر أملاك رجال أعمال في إطار «حملة» ضدّ الفساد.
أعلنت الحكومة التونسية مصادرة أملاك ثمانية رجال أعمال متهمين بالفساد، فيما أعلن أكثر من عشرين نائباً تونسياً تخليهم عن حصانتهم البرلمانية كخطوة رمزية لدعم رئيس الحكومة في حملته ضد الفساد، فيما طالب سياسيون وحقوقيون الحكومة بإزالة «الغموض» الذي يحيط بعملية إيقاف عدد من رموز الفساد في البلاد وإحالة ملفات الأشخاص الموقوفين إلى القضاء.
وأعلن رئيس لجنة المصادرة منير الفرشيشي، خلال ندوة صحافية عقدها أمس الجمعة في العاصمة، مصادرة أملاك كل من شفيق جراية ومنجي بن رباح وياسين الشنوفي ونجيب بن اسماعيل وعلي القريوي وهلال بن مسعود بشر ومنذر جنيح (شقيق عادل وفتحي جنيّح اللذين تم ايقافهما) وكمال بن غلام فرج، مشيراً إلى أن قرارت المصادرة تم اتخاذها اعتماداً على محاضر بحث محررة من جهات تحقيق أثبتت وجود علاقات لبعض رجال الأعمال بعائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي وأصهاره، حققوا من خلالها أرباحاً طائلة بشكل غير مشروع.
من جهة أخرى، أصدر نواب كتلة «الحرة» (21 نائباً) وبعض نواب «الكتلة الوطنية» بيانات منفصلة أكدوا فيها تخليهم بشكل طوعي عن الحصانة البرلمانية كخطوة رمزية لمساندة الحكومة في حملتها المستمرة ضد رموز الفساد في البلاد.
فيما دعت جمعية القضاة التونسيين الحكومة إلى نشر «توضيح رسمي» لملابسات حملة الإيفاقات ومداها وسندها القانوني، مطالبة «بالإسراع بتعهيد القضاء بوضعيات الأشخاص الذين تواترت الأخبار حول إيقافهم ووضعهم قيد الإقامة الجبرية مع تمكين القضاء من ملفات مؤيّدة بجميع الحجج والأدلّة المتحصّل عليها احتراما لمقتضيات الدستور».
كما طالبت النيابة العمومية «بما لها من صلاحيات تعقب الجرائم وتتبع مرتكبيها بفتح الأبحاث اللازمة على خلفية ما تواتر من أخبار الإيقافات بسبب شبهات جرائم الفساد المالي كمطالبتها للحكومة بتمكينها من الملفات التي تمسكها ووضع الأشخاص المعنيين على ذمتها لتتبعهم طبق ضمانات المحاكمة العادلة باعتبار القضاء السلطة الأصلية في تتبع الجرائم والتحقيق فيها».
ودعت إلى أن تشمل أي خطة لمكافحة الفساد «كل من تقوم شبهات قوية حول تورطهم في تلك الجرائم الخطيرة وأن تكون تلك الخطة استراتيجية طويلة المدى غير ظرفية ولا انتقائية تعطى فيها كل الإمكانات للقضاء للاضطلاع بصلاحياته في صد تلك الجرائم وردعها»، مطالبة قضاة القطب القضائي المالي بنشر جميع الإحصائيات المتعلقة بعدد قضايا الفساد المنشورة لديهم وعدد القضايا المفصولة لإنارة الرأي العام وإطلاعه على العوائق والصعوبات التي تعترض عمل القطب في مكافحته لجرائم الفساد بصفة دورية.
واعتبر الباحث والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي أنه «لا أهمية للإجراءات التي اتخذت مؤخراً إزاء مجموعة الفاسدين إذا لم يقع تحويلهم للقضاء للنظر في الجرائم التي ارتكبوها في حق الوطن والشعب»، وأضاف الباحث سامي براهم منتقداً عملية الإيقاف «عندما نريد مقاومة الفساد نوقف أشخاصاً بمقتضى قانون الطّوارئ في انتظار أن نعدّ لهم ملفّات إحالة على القضاء، ونترك من لهم ملفات قضائيّة وبحقّهم بطاقات جلب طلقاء!» وتساءل القاضي أحمد الرحموني (رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء) بقوله «أليس من الشفافية بمكان أن تخرج علينا «المصادر المأذونة» و «المصادر المطلعة» التي نتداول أخبارها منذ 3 أيام لتكشف لنا عن حقيقة ما حصل وما سيحصل في حملة «الفاسدين» و«البارونات» و«الأباطرة»؟
وأضاف عبر صفحته في موقع «فيسبوك»: «إيقاف من لا نعرفهم بالضبط، من أجل تهم نجهلها بالتحديد وفي مكان غير معلوم ولمدة طويلة أو قصيرة (شيء لا يهم ) فضلاً عن غياب أي توضيح رسمي أو تصريح واضح؛ لكن الأمر قد اتخذ على ما يبدو شكلاً صارماً عندما شاعت الروايات المشوقة عن كيف ألقي القبض عليهم وكيف اقتيدت بعض الأسماء إلى أماكن مجهولة من أجل شبهات الفساد»!.
وتابع «الظهور الخاطف لرئيس الحكومة وهو يعيد علينا كلاماً جاهزاً ( لا توجد خيارات، فـإما الدولة أو الفساد) كان كافياً ليكون الجميع تقريباً على أهبة تصديقه! قد لا نختلف في الأهداف المعلنة ولا حتى في الأسماء لكن هل يمكن أن تكون هكذا أول انطلاقة لمكافحة الفساد؟ هل تصورنا أو يمكن أن نتصور أنّ بيانات الأحزاب وتحاليل الخبراء وشروح الفقهاء و«مدائح» السياسيين ودعوات المساندة والتظاهر (من أجل يوسف الشاهد) قد صدرت على ضوء معلومات (لا تتضمّن شيئاً) وقوائم تطول وتقصر!.
واستدرك بقوله «لكن مع ذلك نحن ضدّ الفساد وعلى قول احدهم «جنود من جنودك» (يا رئيس الحكومة) وهذا على الحساب حتى نقرأ الكتاب!».
وأصدرت وزارة الداخلية التونسية بلاغاً أكدت فيه أنه «عملاً بقانون الطوارئ وخاصّة الفصل 5 من الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 الذي «خوّل وضع أيّ شخص يعتبر نشاطه خطيراً على الأمن والنظام العامين تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معيّنة»، تمّ إتخاذ قرارات في الإقامة الجبرية في شأن عدد من الأشخاص على أساس ما توفّر من معطيات تثبت إرتكابهم لخروقات من شأنها المساس الخطير بالأمن والنظام العامين».
وأضاف البلاغ «وهذا إجراء ذو صبغة تحفظية ومحدّد في الزمن أملته الضرورة في إطار حماية الأمن العام ومكافحة الفساد، وينتهي بانتهاء حالة الطوارئ. كما تؤكّد الوزارة على حرصها على التقيّد بالضمانات المكفولة للأشخاص المعنيين بمقتضى الدستور والتشريع النافذ خاصّة من حيث توفير ظروف الإقامة الملائمة والإحاطة الصحية اللازمة».
وفي السياق ذاته، أكد استطلاع للرأي نشرته مؤسسة «سيغما كونساي» أن حوالي 92 في المئة من التونسيين يساندون حملة الإيقافات التي تقوم بها الحكومة ضد رجال الأعمال الفاسدين في البلاد، مشيراً إلى ارتفاع نسبة الرضا على أداء رئيس الحكومة يوسف الشاهد وتراجع نسبة التشاؤم لدى التونسيين.
وتتواصل الحملة التي يقودها رئيس الحكومة ضد رموز الفساد في البلاد، حيث تشير المصادر إلى أنها شملت حتى الآن حوالي 400 شخصية تم إيقاف بعضهم ووضع الباقين تحت الإقامة الجبرية ومنعهم من السفر.