تحاليل _ تحاليل سياسية _ تونس: صراعات سياسية وتخبّطات أمنية تواجه لجنة برلمانية للتحقيق في شبكات تسفير الشباب إلى بؤر التوتّر. |بقلم: روعة قاسم.
احتدم الجدل في تونس حول لجنة برلمانية، صادق البرلمان التونسي على تشكيلها في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، للتحقيق في الشبكات التي تورطت في تجنيد وتسفير الشباب التونسي إلى ساحات القتال، وذلك بعد إقالة رئيستها ليلى الشتاوي وهي نائبة عن حزب «نداء تونس»، وقد ربطت قرار إقالتها بتصريحاتها الصحافية الأخيرة حول «ملفات» قالت إنها «تزعج بعض الأطراف» التي لم تذكرها بالاسم.
وكان وزير الداخلية التونسي الهادي المجدوب صرح أن «أكثر من ثلاثة آلاف إرهابي تونسي متواجدون في بؤر القتال»، وكشف أن هناك 800 «إرهابي» قد عادوا إلى تونس. فيما تؤكد تقارير غير رسمية أن أعداد المقاتلين التونسيين تفوق المصرح به رسميا وهم منتشرون في أكثر من مكان وخصوصا في سوريا وبدرجة أقل في ليبيا.
وجاء تشكيل اللجنة البرلمانية للتحقيق في شبكات تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر في وقت تشهد فيه البلاد جدلا واسعا حول أسباب تهافت الشباب التونسي على القتال، وحول الجهات التي تسهل عملية تجنيدهم ونقلهم بصورة طوعية إلى هذه البؤر. وذلك بعد عملية غسل للأدمغة يقوم بها من يعتبرون أنفسهم ويعتبرهم أنصارهم دعاة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهم الذين تسببوا في مآس بالجملة وفي تفكك أسري داخل العائلات التونسية بتشجيعهم الشباب اليافع على أن يكون حطبا لمعارك دولية وإقليمية كبرى لا ناقة لتونس ولا جمل فيها.
تحديات بالجملة
يقول النائب في مجلس نواب الشعب التونسي الصحبي بن فرج إن بعث هذه اللجنة حتمتها الظروف التي تمر بها البلاد ومنها عودة الحديث عن إمكانية رجوع هؤلاء الإرهابيين إلى تونس بما يمكن أن يشكل خطرا محدقا بالأمن العام. وقال إن معرفة مسالك التجنيد والتسفير يمكّن من كشف البيئة الحاضنة لهؤلاء فكريا وتنظيميا. وخاصة الشبكات التي سهلت نشاط هؤلاء الإرهابيين والأطراف السياسية التي شكلت غطاء لهم. وأوضح أن الاستراتيجية المتبعة هي أولا الاستماع لكل من تقلد مسؤولية في الحكم وله صلة بهذا الملف مثل وزارات العدل، الداخلية، السجون، الشؤون الدينية. وأكد أن اللجنة بصدد الاستماع إلى شهادات الجمعيات والشخصيات التي عملت على هذا الملف، وكذا التحقيق مع عائلات الشباب الذي سافر إلى ليبيا وسوريا والعراق كمرحلة أولي. وتابع قائلا :» وعلى ضوء النتائج نمر إلى مرحلة التحقيق والاستقصاء في تونس وفِي الخارج و خصوصا في سوريا والعراق وتركيا وليبيا».
وعن أهم التحديات التي تواجه عمل اللجنة أشار خصوصا إلى عدم وجود إطار قانوني خاص باللجنة، إضافة إلى عامل الوقت وكذا مدى استجابة الشهود والمنظمات وخاصة الأجهزة الحكومية إلى مطالب اللجنة البرلمانية وتقديم الملفات ذات الصلة».
إشكاليات عديدة
وكانت رئيسة اللجنة المقالة ليلى الشتاوي قد كشفت عن أهم التحديات التي واجهت عمل اللجنة منذ تأسيسها.
وأشارت أنه في أولى اجتماعات اللجنة بدأ النقاش في منهجية العمل بما في ذلك المدة التي سيتم فيها التحقيق. وقالت إن هناك خلافات كبيرة برزت بين الأعضاء حول هذه النقطة بالذات فهناك من أراد التحقيق قبل سنة 2011 وتحديدا منذ عام 1980، في حين أن البعض الآخر أكد أن التحقيق يجب أن يبدأ منذ سنة 2011 باعتبار أن الحديث عن شبكات تسفير الإرهابيين لم يكن قائما قبل هذا التاريخ. وتابعت: «بعد جدل توصلنا إلى أن التحقيق سيبدأ بعد سنة 2011».
وأضافت أن النقطة الأخرى تتعلق بالجهات التي سوف تستمع إليها اللجنة، فـ «القرار كان واضحا ووضعنا قائمة في الاستماعات وهي تخص كل من عمل في فترة تسفير الشباب مثل الوزراء السابقين في مختلف الإدارات في وزارات الداخلية والعدل والشؤون الدينية ووزارة الشؤون الخارجية والمديرين العامين وكتاب الدولة للأمن السابقين. ونتحدث كذلك عن البنك المركزي وبالتحديد اللجنة الوطنية للتحاليل المالية لأنه لما نتحدث عن شبكات التسفير يعني الجمعيات المشبوهة التي مولت التسفير وفي هذا الإطار سيكون لنا كذلك بحث حول هذه الجمعيات. اليوم في تونس علينا أن نحقق وأن نفهم ماذا جرى بعد إصدار المرسوم الجديد رقم 88، والذي يعطي الصبغة القانونية للجمعيات في تونس، ويخول لأي مواطن أن يكوّن جمعية بمراسلة الكتابة العامة للحكومة وبعد شهر يصبح للجمعية وجود قانوني» . وتؤكد أن الإشكال يتعلق بعدم امتلاك كتابة الحكومة أية آلية للتثبت في هذه الجمعيات وفي تقاريرها المالية.
جمعيات مشبوهة
وقالت إن اللجنة استمعت لوزير الداخلية، حيث أعطى قائمة تتضمن 157 جمعية مشتبه بعلاقتها بالإرهاب، وتمت إحالة هذا الملف الى القضاء والنيابة العمومية وإلى الكتابة العامة في رئاسة الحكومة. وأشارت إلى أن بعض الملامح بدأت تتكشف، وأن شبكات التسفير ودعم الجمعيات لها علاقة وثيقة بالزيارات التي قام بها «دعاة» ومشايخ عرب إلى تونس، ونظروا خلالها للفكر الإرهابي. وأضافت: «وفيما يخص الجماعات التكفيرية الجهادية وجهنا عديد الأسئلة إلى وزير العدل وأوكلنا إليه ملف أحد المشايخ ويعد أشد الشيوخ الذين عملوا على تطوير هذه المنظومة التكفيرية الجهادية في تونس حيث وقع استدعاؤه من قبل جمعية تونسية تسمى «جمعية الخير الإسلامية» وقام بزيارة مختلف ولايات تونس. وتورط بغسل أدمغة مئات الشباب، والنتيجة كانت أن المجموعات الأولى التي تم تدريبها عن طريق هذا الشيخ والتحقت بالجماعات الإرهابية أصبحت أشد فتكا وقامت بتكفير باقي أعضاء جبهة النصرة «وأضافت أن المشكل الآخر هو أنه قد وقع التحقيق مع هذه الجمعية في سنة 2014 ثم قام القضاء بإطلاق سراح الأعضاء وهذا هو السؤال الكبير فيما يتعلق بالمسؤولية في التعامل الجدي مع هذه الملفات لأننا اليوم نتحدث عن أمن الدولة ..وعلينا أن نفهم كيف يتعاطى القضاء مع هذه الملفات مثل تمويل الإرهاب والفكر «الداعشي» الذي للأسف ينتمي إليه العديد ممن الشباب التونسي».
أعداد المقاتلين
فيما يتعلق بأعداد المقاتلين التونسيين قالت إن هناك مراكز بحوث مهتمة بالحركات الإرهابية تقدر وجود أكثر من ستة آلاف إرهابي تونسي في مناطق القتال في حين أن العدد لدى وزارة الداخلية يقارب الثلاثة آلاف. لكن الإشكال الموجود اليوم حسب محدثتنا، أن وزير العدل أكد أن الطرف الليبي ليس له إرادة واضحة في التعامل مع الدولة التونسية فيما يخص العائدين من مناطق القتال، لأن الدولة التونسية أرادت أن تتعامل مع الجانب الليبي فيما يخص ملف الإرهاب ولكن لم تتحصل على أية معلومة. وأكد وزير الداخلية التونسي أن هناك 800 إرهابي عائد من ساحات القتال والموقوفون منهم يقدرون بحوالي 160 شخصا فقط، وأما الآخرون فيعيشون بيننا وهذا إشكال كبير.
وأكدت أيضا أن هناك إشكالاً آخر يتعلق بوجود قرابة 27 ألف تونسي قد منعوا من الذهاب إلى «مناطق كسوريا وليبيا» وقالت إنه ليس من المؤكد أن هذا العدد كله أراد المشاركة في القتال ولكن لو فرضنا وجود خمس بالمئة منهم يحمل هذا الفكر فهو رقم خطير. وتتابع: «علينا أن نتأكد أن الدولة التونسية لها استراتيجية واضحة للتعامل مع هذا الخطر وعلينا أن نتحقق أن لها وعيا وأن هناك شباب ربما في طور التطرف وعلينا ان نتعامل بكل مسؤولية من خلال وضع آليات للتعامل مع هذا الشباب والتعامل ليس أمنا بالضرورة بل هو فكري وتربوي وثقافي لكي نخرجهم من هذا الفكر الخطير الذي يسيطر على سلوكهم الرافض للآخر».
غياب الثقة
ويعتبر مروان السراي الباحث في «المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق» أن هذه اللجنة رغم حسن نية رئيستها وعدد كبير من أعضائها لن تتمكن من إيقاف نزيف تدمير الشباب التونسي وإقحامه في معارك لا علاقة له بها بعد العبث بوعيه من خلال دعاة التكفير». وزعم «أن في هذه اللجنة طيف سياسي لا يثق فيه كثير من التونسيين في أن لديه الرغبة في كشف الحقائق لأنه متورط إما بالتشجيع أو بالتغاضي سواء في فترة حكم الترويكا أو اليوم».
ويعتقد أن الأمل هو في تحقيقات قضائية حقيقية، و»أن وجود مجلس أعلى للقضاء انتخب حديثا بالاقتراع الحر والمباشر، في تونس قد يساهم في وجود قضاء مستقل في تونس، وفي المستقبل القريب، يحظى بثقة شعبه في ملف مكافحة الإرهاب الذي أرق المضاجع وأصبح معضلة حقيقية في تونس، والذي تعتبر شبكات التسفير إحدى حلقاته الهامة».
خلافات سياسية
في المقابل قال الإعلامي والكاتب التونسي عمار عبيدي إن عمل هذه اللجنة انطلق بشكل صحيح وعلمي لكن سرعان ما تداخلت فيه المسائل السياسية خاصة خلافات حزب «نداء تونس»، حيث أن رئيسة اللجنة المقالة النائبة ليلى الشتاوي، والتي تم فصلها من نداء تونس بسبب تسريبها لتسجيلات خاصة في اجتماعات حزبية، حاولت إقحام معركتها مع حزبها داخل أشغال اللجنة من خلال افتعال قضايا وهمية خصوصا ما تروج له حول تقارير البنك المركزي المتعلق بالجمعيات والدور الخليجي في تمويلها، إذ تبين رسميا أن اللجنة لم تحصل على مثل هذه المعلومات من البنك المركزي بل النائبة التونسية هي التي حاولت الضغط على اللجنة.
وأضاف: «ويمكن القول بكل وضوح إن أشغال اللجنة الخاصة بالتحقيق في شبكات تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر خضعت إلى شكلين من الضغوطات، الأول يدفع نحو طمس كل الحقائق التي قد تؤدي إلى إدانة أطراف سياسية حكمت سابقا وبشكل أساسي من المقربين من الترويكا الحاكمة باعتبارهم تجاهلوا كل المعلومات التي وردت على الأجهزة الأمنية بخصوص شبكات التسفير، أما الثاني فهو محاولة لتسييس القضية وضرب الأطراف الحاكمة الآن وكل حلفائها الدوليين خصوصا في الخليج، وذلك بهدف خدمة أطراف معينة مثل حركة مشروع تونس وبعض الأحزاب اليسارية الأخرى» على حد قوله.
واعتبر أن هذا الملف الشائك سيذهب كغيره ضحية للتجاذب السياسي الذي أصبح يغلب على كل الملفات في تونس على حد قوله.