تحاليل _ تحاليل سياسية _ رئيس حزب تونسي يقاضي برنامجاً تلفزيونياً يروّج للتطبيع مع إسرائيل ويتلقّى دعماً من السعودية والإمارات.
قال عبد الرؤوف العيّادي رئيس حركة «وفاء» التونسية إنه تقدم بشكوى قضائية بتهمة «الاحتجاز القسري والتهديد بالسلاح» ضد القائمين على برنامج الكاميرا الخفية «شالوم» الذي قال إنه يروّج للتطبيع مع إسرائيل ويهدف لتشويه صورة من يعارضون هذا الأمر في تونس، مشيراً إلى احتمال تلقي البرنامج المذكور تمويلاً كبيراً من بعض الأنظمة العربية كالسعودية والإمارات التي قال إنها بدأت بالتطبيع الكامل مع إسرائيل.
وقال، في حوار خاص مع «القدس العربي» إنه تقدم بشكوى قضائية ضد القائمين على برنامج «شالوم»، الذي تبثه قناة «تونسنا» الخاصة خلال شهر رمضان، بتهمة ارتكاب جريمتي «الاحتجاز القسري والتهديد بما يوجب عقابا جنائيا»، فضلا عن المطالبة بالحصول على النسخة الكاملة للحلقة التي شارك فيها والتي تبلغ حوالي ساعة (تم بث 15 دقيقة منها فقط).
وسرد العيادي تفاصيل ما حدثه معه خلال مشاركته في البرنامج المذكور بقوله «اتصل بي الصحافي وليد الزريبي واقترح علي المشاركة في برنامج تلفزيوني تبثه قناة «بي بي سي» البريطانية ويتناول المشهد السياسي في تونس بعد الانتخابات البلدية، وكنت وقتها منشغلا في التظاهرات المؤيدة لمسيرات العودة الكبرى في فلسطين المحلّة، لكنه أصرّ عليّ وقال لي: أرسلت لك سيارة مرسيدس لتقلّك، وفوجئت بعد الموافقة على المشاركة بوجودي في فيلا فخمة بين منطقتي سكرة والمرسى في العاصمة التونسية، وكان ثمة أشخاص لديهم ملامح يهودية، فسألته أين هو الاستديو أو طاولة الحوار، فأجابني بأن هؤلاء يرغبون في الحديث معي قبل اللقاء، حيث قدم أحدهم نفسه بأنه رجل دين يهودي يناضل من أجل السلام، ولم يقل في البداية أنه إسرائيلي (مشهد تمثيلي ضمن البرنامج)، لكنه شيئا فشيئا بدأ بالحديث عن الكيان الصهيوني، فهممت بالخروج لكن أحد المسلّحين منعني من الخروج، حيث وقف أمامي وأظهر مسدسا في ملابسه (وهذا مُثبت في التسجيل)».
وأضاف: «وأكد الموجودون في المكان أنني ضمن قائمة لشخصيات تخصص إسرائيل لاغتيالهم في تونس، لكنهم قالوا إنه سيتم التراجع عن هذه الخطوة في حال قبلت عرضهم، وأخبروني أننا الآن في مقر سرّي للسفارة الإسرائيلية وأن لهم يداً طولى في تونس وهم يعرفون كل شيء عني وخاصة مواقفي المعادية لإسرائيل والتي طلبوا مني تعديلها، وحقيقة شعرت أنني محتجز في هذا المكان، وحاول الموجودون في المكان ترهيبي ووضعي تحت الضغط لسلب إرادتي الحرة ودفعي للمواقفة على عرضهم، وكان ثمة أشخاص يدورون حولي، كما تم منعي من استخدام هاتفي حيث حاولت الاستنجاد بأحد زملائي، واقترحوا علي المشاركة في الانتخابات الرئاسية المُقبلة وقالوا لي: نحن نسمّي الرؤساء في البلاد، فأجبتهم بأنني محام ووضعي المادي جيد ولست معنيا بالترشّح للرئاسة، ولكنهم واصلوا الضغط وعرضوا علي في النهاية حقيبة قالوا إنها بها 500 ألف دولار بهدف تمويل الحملة الانتخابية لحركة وفاء في الانتخابات القادمة، فقلت لهم: أنا لدي قيادة في الحزب يجب عليّ التشاور معها قبل الموافقة، وحقيقة اضطررت لفعل ذلك لأنني كنت في وضع أنتظر فيه الأسوأ وهو أن تتم تصفيتي أو احتجازي في مكان سرّي».
وحول عدم مطالبته بمنع بث الحلقة المذكورة، قال العيادي «مقدم البرنامج ادّعى أنه عمل استقصائي وليس كاميرا خفية، وذلك كي يُعفي نفسه من استشارة من يشارك في البرنامج».
وكان عدد كبير من السياسيين والحقوقيين استنكروا ما حدث مع العيادي في البرنامج المذكور، حيث كتب سمير ديلو النائب عن حركة «النهضة» على حسابه في موقع «فيسبوك»: « شاهدت بكل انتباه «الشيء» الذي حار معدّه في تسميته وكان المفترض أن يوقع بالأستاذ عبد الرؤوف العيادي. وما كان واضحاً وجليّاً لعينيّ كل منصف أن هذا «الشيء» في جزئه الأول عكس موقف الأستاذ العيادي: رفض وإصرار على الخروج، وأن جزءه الثاني كان مداراة لضمان الخروج الآمن. تحدّث الأستاذ عبد الرؤوف عن تهديده بالسلاح عند محاولته مغادرة المكان. ولكن ما تعرّض له هو في الواقع محاولة اغتيال معنوي ورمزي حقيقية! السؤال الحقيقي هو من يقف وراءها؟».
وأضاف القاضي أحمد الرحموني «قبل أن نسارع إلى اتهام الأستاذ عبد الرؤوف العيادي، كان علينا أن نتهم هؤلاء (من منتجي ومقدمي برنامج الكاميرا الخفية «شالوم» ) بقلة الذوق وترويع الناس والمساس بسمعتهم وتلطيخ شرفهم وهو ما يعيد سلوكات سابقة انتهجها «البوليس السياسي» في عهد نظام بن علي عندما كان ينتج خصيصا لبعض معارضيه «أشرطة أخلاقية» لغاية التشهير بهم وابتزازهم وكسر إراداتهم! (…) فهل يمكن ان ينطلي شيء مما شاهدناه وسمعناه – على لسان الأستاذ عبد الرؤوف العيادي – في لعبة الكاميرا الخفية؟ وان ينقلب العيادي من «مهووس» بالموساد الإسرائيلي إلى أحد «المطبّعين العملاء»!».
واعتبر العيّادي أنّ البرنامج المذكور هو جزء من حملة تهدف لتشويه صورة المعارضين للتطبيع مع إسرائيل في تونس، مضيفا «بعد التطبيع الكامل والولاء لإسرائيل من طرف النظامين السعودي والإماراتي، أعتقد أن عملاءهما في الداخل يريدون فرض التطبيع والتخلص من كل وجوه المقاومة للتطبيع في تونس، علما أنني يوم الاثنين أودعت صحبة مجموعة من المحامين عريضة لدى المحكمة الإدارية للمطالبة بمنع دخول الإسرائيليين بجواز السفر الإسرائيلي وفق وثيقة سرية صادرة عن وزارة الداخلية، ثم قبلها شاركت في مرافعة من أجل منع مشاركة الإسرائيليين في مسابقة التايكواندو التي تمت في تونس قبل شهرين، كما أنني رئيس لجنة الدفاع عن الشهيد محمد الزواري، ويبدو أنهم أرادوا محاسبتي على هذه الأعمال، عبر محاولة التشكيك في مصداقيتي أمام الرأي العام وتصويري على أنني أقبل التطبيع مع إسرائيل في حال تلقيت مكاسب سياسية أو مادية، رغم أن ما حدث كان مسرحية سيئة الإخراج، والتسجيل الكامل سيبرز مظاهر التهديد والإجرام بحقي».
وتابع «سائق السيارة التي أقلّتني إلى الفيلا التي تم تصوير البرنامج فيها، أخبرني بعد تسجيل البرنامج أن هذه الفيلا مؤجّرة يوميا بمبلغ ثلاثة آلاف دينار أي حوالي ألف يورو، يعني أنّ هناك ضخاً مالياً قوياً لهذا البرنامج ولا أعتقد أنّ شركة إنتاج محلية تستطيع دفع هذا المبلغ يوميا، كما أنّ القناة التي تبثّه الآن صاحبها معروف بعلاقاته المشبوهة، وأعتقد أنّ المسألة هي تنفيذ لأجندة خارجية تروّج لموضوع التطبيع وتسعى لإسكات وابتزاز جميع الأصوات المعارضة له»، ولم يستبعد ارتباط الأمر بـ«اللّوبي الإماراتي» الموجود في تونس والذي قال إنّه موّل الأطراف الناجحة (نداء تونس) في انتخابات 2014.
يُذكر أنّ نقابة الصحافيين التونسيين اتهمت برنامج «شالوم» بالترويج للتطبيع مع إسرائيل ومحاولة «تمييع القضية الفلسطينية»، فضلا عن انتحال صفة مؤسسات إعلامية دولية، والانتهاك الصارخ لأخلاقيات المهنة عبر خلق وضعية وهمية واستغلالها لإجبار الضيوف على الإدلاء بتصريحات في اتجاه معيّن، مع التذكير بأنّ أبسط قواعد الإعلام تفرض موافقة المعنيين بالأمر قبل بثّ الحلقات عبر عقد بين الطرفين».
____________________________________________
*حسن سلمان.